يمثل اليوم الدولي للاعنف واحدةً من المناسبات الدّوليّة الهامّة لنشر وتعزيز رسالة “اللاعنف” التي جسّدها مناضلون كبار في تاريخ البشريّة، وبينهم الزّعيم الهندي المهاتما غاندي، الذي أقرّت الأممُ المتحدة يوم ميلاده في الثّاني من أكتوبر ليكون يوما للاحتفال بهذه المناسبة، حيث كان غاندي رائدا في العمل على هذه الفكرة، ومارسَ خلال نضاله من أجل استقلال الهند استراتيجيّاتٍ عمليّة أكّدت على جدوى اللاعنف في تحقيق الأهداف النبيلة وتأمين الاستقرار والسّلام.

وقد استطاع شعب البحرين، خلال تاريخ النّضال الوطنيّ الطّويل؛ أن يُقدّم نموذجا سلميّا جديرا بالاحتفاء والرّعاية على أكثر من مستوى، وكان هذا النّموذج تعبيرا أصيلا عن طبيعة الرّقي والتّسامح في هذا الشّعب وثقافته المتينة في القدرة على التّفاهم والخروج الآمن من أصعب التّحديّات. وعلى الرّغم من الأوضاع الصّعبة التي عانى منها البحرينيّون، وما أفرزته الأحداثُ المؤسفة منذ العام ٢٠١١ من ضغوطٍ وآلام ومعاناةٍ كبيرة؛ إلا أنّهم استطاعوا تطويق مبرّرات الانسياق وراء واقع العنف المضاد رغما عن كلِّ العنف غير المبرّر والإجراءات الرّسميّة غير العادلة، وقد تخطّى المواطنون مراحلَ حرجة بسبب ذلك، مصرّين حتّى اليوم على الحقوق السّياسيّة والمدنيّة والمطالبة بها بالأسلوب السّلميّ.

وقد كان للقياداتِ الدّينيّة والوطنيّة الدّور الهام في الالتزام بالسّلميّة ونبذ العنف، وقدّمت هذه القيادات ضمانةً حقيقيّة لمنْع الانجرار وراء الأساليب العنفيّة بكلّ أشكالها. ويشدّد الشّيخ ميثم السّلمان، رئيس مركز البحرين للحوار والتّسامح، على “الدّور الكبير الذي بذلته القياداتُ الدّينيّة في البحرين في المحافظة على السّلم الأهلي، وإلحاق ذلك بخطابٍ تحذيري وتحريميّ واضح في وجه خيارات العنف والأعمال التي تستهدف الأرواحَ والممتلكات العامّة“. ويقول الشّيخ السّلمان بأنّ هذا الدّور “كان بمثابة المانع النّفسي والاجتماعي والدّيني الذي حال دون اللّجوء للعنفِ المضاد في البحرين، رغم الاستعمال المفرط للقوّة والقتل خارج القانون والانتهاكات المختلفة التي عانى منها المواطنون، بما في ذلك التعدّي على رموزهم وأماكنهم المقدّسة وهدم ٣٨ مسجدا“.

ويرى مركز البحرين للحوار والتّسامح بأنّ ما قدّمه قادة العمل السّياسي والوطني في البحرين، طيلة السّنوات الماضية، عبّر عن خطابٍ رصين يؤمن بسياسة العمل اللاعنيف، وأبرز هذا الخطاب القيمة الذاتيّة والعمليّة للنّهج السّلمي على مستوى العمل من أجل الحقوق العادلة، وهو الأمرُ الذي ينبغي على الجهات المعنيّة في الدّولة أن تضعه في الاعتبار والتّقدير الكبيريْن، ولاسيما وأنّ هؤلاء القادة لازالوا يصرّون على التزامهم السّلمي في التّعبير عن مواقفهم السّياسيّة المعارضة، بما في ذلك القيادات السّياسيّة المعتقلين اليوم، ولم يتراجعوا عن ذلك رغم ما لحقَ بهم من ظلمٍ لا يُستهان.

إنّ المركز يدعو الحكومة والمعارضة إلى العمل المتواصل والجاد من أجل إنهاء واقع التأزّم في الملف السّياسي والحقوقيّ، لأنهما بذلك سوف يقدّمان خدمة جليلة لكلّ الوطن والمواطنين، ونزْع كلّ مبرّرات اللّجوء إلى دعوات العنفِ والممارسات غير القانونيّة والمحرّمة، وينبغي على المعنيين والفاعلين السّياسيين أن يُدركوا أنّ الإسراع في هذه الخطوة لن يكون إلا إسهاما في حفظ الأمن والسّلم والاستقرار، وهي أهدافٌ يطمح لها الجميع، ولا يمكن الوصول إليها وتحقيقها على الأرض إلا من بوابةِ الحلول العادلة والدّائمة.

مملكة البحرين

٢ أكتوبر ٢٠٢١م

مركز البحرين للحوار والتّسامح