يحتقل العالم في ١٥ سبتمبر باليوم الدّولي للدّيمقراطيّة، وهي مناسبة تتجدّد معها الحاجة للوقوف عند التحدّيات التي تواجه العالم في إطار العمل على نشر الدّيمقراطيّة والمبادئ الأساسيّة التي تقوم عليها، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان، وخلق بيئة آمنة ومتساوية للعمل الأهلي الحرّ والمستقل، وتوسيع رقعة المشاركة الشّعبيّة في صناعة القرار وإدارة الشّأن العام.
وقد عانت العديدُ من الشّعوب من تحدياتٍ مستجدةً وإضافيّة في النّضال من أجل الدّيمقراطيّة في ظلّ الوضع الاستثنائي وغير المسبوق الذي فرضته جائحة كورونا على الجميع وفي مختلف دول العالم، وقد لوحظ أنّ الهوامشَ المتعلّقة بالدّيمقراطيّة وسيادة القانون وحقوق الإنسان – وخاصّة في الدّول العربيّة – حوصرت بالعديدِ من أشكالِ التّدهور والانتقاص والتّقويض، وهو ما فاقمَ من العوائق التي تواجه المناضلين من أجل الدّيمقراطيّة في هذه الدّول. ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الجائحة أعطت فرصا حيويّة لإنجاح مطالبِ الشّعوب في الدّيمقراطيّة، وذلك بعد أن تأكّدت للحكومات والشّعوب، على حدّ سواء، ضرورة العمل الجماعي، والوئام والاستقرار الدّاخلي، والتَّضامن المشترك، لإنجاز نجاح وطني على الجائحة والحدّ من آثارها الخطيرة.
في البحرين، يرى مركز البحرين للحوار والتّسامح بأن هناك إرثا طويلا من العمل الوطنيّ وتجارب النّضال التي تستحقّ أن تتوّج ببناء ديمقراطيّ يعيشُ تحت ظلاله كلّ أبناء الوطن، ورغم المنجزات التي قدّمها البحرينيون على هذا الصّعيد؛ إلا أنّ العوائقَ والإعاقات التي وقفت، وتقفُ، عثرةً في طريق بناء “الدّيمقراطيّة البحرينيّة“؛ لازالت تدورُ حول التّحدّيات التي ولّدتها المحطّات التحوّليّة والمقاطع الإشكاليّة من تاريخ البلاد، ولاسيما بُعيد أحداث ٢٠١١م، وهي الأحداثُ التي تمثّلُ إفرازا طبيعيّا للتصدُّع التي عانت منه التجربّة الديمقراطيّة الوليدة في العام ٢٠٠١م.
ويودّ المركز الإشارة إلى تلك العوائق التي تتعلّق بالأفكار السلبيّة التي تتسبّب في إعاقة أيّ مسعى نحو إنجاز تقدّمٍ حقيقي في بناء الديمقراطية بالبحرين، ومن ذلك:
– تباطؤ قطّاع عريضٍ من أطرافِ الأزمة المحليين عن الاشتغال على بناءِ إيمانٍ عمليّ بأهميّةِ الدّيمقراطيّة في تشييد منظومةٍ فعّالة لإحلال الوئام والسّلام والاستقرار، وبشكل دائم. وهذا الإيمانُ – غير المكتمل حتّى الآن – يمثّلُ القاعدة الأساسيّة لإنجاز المشروع الوطنيّ الكبير، والذي لا يقتصرُ على المسألةِ الدّيمقراطيّة، وإنّما يتعدّاها إلى إتمام المعالجات الأخرى التي تتّصل بالحقوق الأساسيّة، وإدارة التنوّع، ومعالجة آثار الأحداث المؤلمة وإبرام صيغ مناسبة في المصالحة. وينبغي الاستعجال في تأسيس هذا الإيمان من كلّ الأطراف، وهو غير مشروط بإضافة حصيلةٍ جديدة من الخبرات والتّجارب، كما أنه لا يتطلّب وقتا كبيرا لإدراك ضرورته للولوج إلى مرحلة النهضة وصناعة المستقبل. إنّ جرْدة شفّافة لحسابات الرّبح والخسارة، ومراجعة الحصاد المرّ الذي عانى منه الوطن؛ جديرٌ بحثِّ الحكومة والمعارضة على تغيير طرائق التّفكير حول الواقع الجاري، وأن يوقن الجميع بأنّ المشروع الدّيمقراطيّ الحقيقيّ أفضل خيارٍ لبناء وطنٍ أقلّ اهتزازا بالأزمات والصّراعات المدمّرة.
– غلبةُ الشّكوك والأوهام لدى البعض من أطراف الأزمة، وسيطرتها على التّفكير السّياسي وفي إدارة العلاقة مع الآخر، وهذه الغلبة تؤدي إلى تغالبٍ فوضوي غالبا ما يفرز سلوكيات عنفيّة وإلغائيّة، ما يتسبّب في تحويل المجال السّياسيّ والخطاب العام إلى معارك طاحنةٍ تقوم على الاستعداء المتبادل، والتّشاحن، والكراهيّة. وعادةً ما تنمو الأوهام والشّكوك بسببِ التّباعد، وغياب أجواء التّقارب والحوار والمكاشفة الحرّة في إطار التّفاهم لا التباغض. إنّ الإرث الطّويل من الظّنون الاتهاميّة يحجبُ عن العقول والقلوب رؤية واحة الدّيمقراطيّة وخيراتها، وبدلا من ذلك يُحوّل العقل الاتّهاميّ الأنظارَ والخواطرَ إلى الدّعايات غير الدّقيقة التي تدّعي أن الدّيمقراطية خيارٌ غير ممكن في الحالة البحرينيّة، وأنها مجرد وسيلة للبعض لتحقيق أهداف مغرضة.
– الخلط المتواصلُ بين العمليّات الإجرائيّة (الخطوات المنفصلة)، وبين الأهداف العليا (الغايات المشتركة). فالإفراج عن السّجناء، مثلا، هو إجراءٌ تقني لا يخلو من نتائج صحيّة، ولكنه يبقى خطوة منفصلة تأتي لتصحيح وضْع خاطئ سابق (الاعتقال السّياسي)، أما ما بعد هذه الخطوة فهو يرتبط مباشرة بالهدف الأكبر والغاية المشتركة المتمثلة في بناء الوطن العادل الجامع، وهذه الغاية قد تكون حاضرةً وقد لا تكون لدي صانعي خطوة الإفراج عن السّجناء. وما ينبغي التّفكير فيه، هو أنّ الخطوات الإجرائيّة (ولو كانت منفصلة عن مسعى الغاية المشتركة، أو كانت مجرد عمليّة مؤقتة) تظلّ مطلوبة في كلّ الأوقات، وكما لا ينبغي النّظر إليها على أنها إنجازٌ كبير، فهي ليست أيضا تراجعا يستدعي الخجل، بل هو إجراءات للعودة إلى الأجواء الصّحية والصّحيحة. بالنسبة للحكومة والمعارضة، فإنّ الخلط بين هذين المستويين يدفع إلى الوقوع في مصيدة الاتهامات والهواجس المتبادلة. في المقابل، يمكن للطرفين تحويل الأمر إلى مساحةٍ محفّزة، وكلٌّ من موقعه، لتشجيع الآخر على الانتقال من مستوى الخطوة المنفصلة والمنفردة، إلى مستوى الهدف الأعلى المشترك، والتي تمثّل الدّيمقراطيّة إحدى أهم روافعها. هذا النّوع من المعالجة والتّعاطي يتحقّق عندما يُنجز الطّرفان تقدّما في النقطتين الأولى والثّانية المشار لهما أعلاه، وبعدها يمكن أن يقفَ الجميع على أرضيّة مشتركة، تتقدّم ببطء، ولكنها تصلُ بلا شك إلى قمّة الأهداف العليا.
مركز البحرين للحوار والتسامح
مملكة البحرين
١٥ سبتمبر ٢٠٢١م