صادق الستري
كاتب من البحرين
–المقالات تعبر عن رأي كاتبها فقط–
وجهة نظري في هذا المقال هي اجتهاد منّي في فهْم رأي بعض العلماء والشخصيات، ولا أدّعي أنني واثق تماما بأنهم يقصدون ما توصّلت إليه أو الاستنتاج الذي أضعه هنا للنقاش.
لا شك أن عاشوراء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب تعتبر موسما دينيا كبيرا، وأعتقد أن هذا الموسم لا يقل أهمية عن بقية المواسم الدينية عند المسلمين، مثل شهر رمضان، وموسم الحج، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الدروس الإنسانية والفوائد العامة التي يمكن أن ينالها الإنسان من هذه المواسم. ولكن المؤسف أن موسم عاشوراء لا يزال حتى الآن مخصوصا بالمسلمين الشيعة، ولم يتحول إلى موسم ديني يحيه المسلمون عموما، وهذا الأمر له أسباب كثيرة، ومعقدة، ويتحمّل مسؤوليتها المسلمون من السنة والشيعة على حد سواء. فالمسلمون السنة لا يبذلون جهدا كافيا للانفتاح على عاشوراء، والتقاط المعاني الإنسانية والإسلامية المشتركة في هذه الذكرى، كما أن المسلمين الشيعة لا يقدمون الجهود الفكرية والعملية الكافية لمعالجة الإشكالات التي يثيرها الآخرون. عموما، هذا موضوع شائك، وأعتقد أن هناك حاجة كبيرة لعقد مؤتمر إسلامي سني شيعي حول هذا الموضوع، لأن حرمان عموم المسلمين من قيم عاشوراء وإحياء هذا الموسم يمثل خسارة فادحة.
من هذه النقطة، أود الوقوف عند مسألة الشعارات في إحياء عاشوراء، وخاصة الشعارات التاريخية والدينية التي أخذت حضورها القوي في الثقافة العامة للمسلمين الشيعة خلال هذا الموسم. من اللافت أن بعض هذه الشعارات أثار، ولا يزال، بعض الحساسية والإشكالات في الأذهان، ويتحجج البعض بهذه الشعارات ليبرر عدم الانفتاح على عاشوراء، والنظر إلى هذا الموسم من منظور طائفي ضيق.
في البحرين، هناك علماء وشخصيات حاولت أن تعالج هذه المسألة، ولكنها – لأسباب مختلفة – لم توفّق في تعميم أو توسيع هذه المعالجة لتشمل العقل الشيعي المحلي، الذي يتولى إدارة وتحريك الموسم على الأرض. من هذه الشخصيات أشير إلى العلامة السيد عبدالله الغريفي، الذي خصص وقفات كثيرة حول هذا الموضوع، حيث أكد عدم مناسبة أي شعار يُرفع أو يُحرّك في موسم عاشوراء، من شأنه أن يؤدي إلى الإضرار بروحانية عاشوراء وبقيمها وحضاريتها، أو يتسبب في رفع التوتر وإثارة الخلاف المذهبي أو غيره. وأقترح على الباحثين أن يجروا دراسة موسعة أو بحثا خاصا بوقفات السيد الغريفي في هذا الموضوع، لكونه كرّس سلسلة متنوعة من خطاباته في هذا الشأن.
وأشير كذلك في هذا المقام إلى نموذجين آخرين. الأول كان قبل سنوات طويلة، وهو رأي طرحه الشيخ علي سلمان في كلماته العاشورائية التي كان يلقيها في مسجد الخواجة بالعاصمة المنامة. في إحدى هذه الكلمات تطرق الشيخ علي إلى شعار “هيهات منا الذلة“، وتحديدا من منظور محلي، مستحضرا الظروف المحيطة آنذاك، وأوضح الشيخ علي بأن هذا الشعار يكتسب معانيه وفق ما يحيطنا من ظروف، وبحسب الوقائع والمستجدات التي تسيطر على الواقع. لا يوجد اختلاف على رفض الذل، ولكن الحماسة الثورية التي تصاحب هذا الشعار لدى كثيرين خلال عاشوراء؛ لا ينبغي أن تدفع بهم إلى الاعتقاد بأن هذه الحماسة هي التطبيق الوحيد والصحيح، حصرا، لشعار “هيهات منا الذلة”. بهذا المعنى، دعا الشيخ علي في كلمته تلك إلى معالجة مرحليةٍ لمفهومات هذا الشعار، ومن المؤسف أن البعض أساء الفهم، وظنّ أن الشيخ يدعو للقبول بالذل، وهذا محال، فلا يوجد إنسان عاقل يقبل بذلك، فكيف برجل دين، وقائد سياسي، ومدافع عن الحقوق الإنسانية العالمية التي تؤكد على مبدأ الكرامة؟!
النموذج الثاني، هو للعلامة الشيخ محمود العالي. في كتاب بعنوان “الحوار العاشورائي”، توقف الشيخ العالي عند شعار “يا لثارات الحسين”، وأكد في البداية على ضرورة عدم تحويل المناسبات إلى “مناسبات طائفية“، وأشار إلى أن بعض الشعارات “قد تنطلق بلا وعي ولا دراسة“. ويقدم الشيخ العالي مقترحا مهما وهو أن تقوم “اللجنة الثقافية في المأتم والموكب بدراسة الشعارات التي تُطلق ويتحرك بها الجمهور”، استنادا على معيار عدم تحويل المناسبة إلى “قضية طائفية”، والعمل على جعل الشعارات “تربط بالمسلمين ككل”. وبعد أن يناقش الشيخ العالي موضوع ترديد الشعارات التي لم يثبت استحبابها”، فإنه يشدد على ضرورة “مراعاة المصلحة” في رفع هذا الشعار أو ذاك، وضرورة ملاحظة الضرر والأذى، داعيا إلى أن تكون هناك موازنة للشعارات، ضمن هذا المقياس الواقعي والشرعي.