بقلم: صادق السّتري

كاتب من البحرين

  • مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها فقط –

قد نختلفُ أو نتفقُ حول كثير من الموضوعات التي تمثلها “حكاية ٢٠١١” في البحرين، ولكن علينا أن نتوقّف قليلا، وأن نتأمّل ما الذي حصل بنا منذ العام ٢٠١١م وحتّى اليوم. لا يحتاج الأمر إلى نقاش بيزنطي طويل، ولا إلى جرْدة حساب قد تستغرق الكثير من الوقت، أو قد تسبّب تباعدا واحتقانا نحن في غنى عنه. كلّ ما هو مطلوب في الوقت الرّاهن، هو أن يجلس مسؤولٌ حكومي مرموق إلى جنب شخصيةٍ معارضة معتبرة، ويُقدّما معا إلى الجمهور الإجابات الواضحة والمباشرة على الأسئلة التالية:

  • ماذا لو تمّت الاستجابة للمطالب الدّيمقراطيّة قبل العام ٢٠١١م، ودخلت البلادُ مسارَ التدرّج الدّيمقراطي المتوازن قبل اندلاع الأحداث؟
  • ما الكفّة التي ترجّح الأخرى: كفّة الخيارات التي تؤدّي إلى خسائر باهظة (في نهايةِ المطاف)، أم الخيارات التي تُتيح أرباحا محدودة (طويلة المدى)؟
  • ما الذي تحتاجه المعارضة لكي تتجاوز تجربتها غير المشجّعة في الحوار مع الحكومة؟ وما الذي يشجّع الحكومة على تقديم ذلك؟ هل يمكن أن تُقدّم الحكومة والمعارضة إجابة على هذين السؤالين من غير “مغالبة”، كما قال آية الله الشّيخ عيسى قاسم في بيانه الأخير؟
  • هل هناك حسبان للمتغيرات الداخلية والخارجية؟ وهل هناك إدراك واقعي لحجم المتغيرات على مدى أكثر من ١٠ سنوات، وانعكاسات هذه المتغيرات على توجهات الناس، وعلى اتجاهات الحكومة. وعلى موجهات المعارضة؟
  • هل أجرت الحكومة والمعارضة، كلٌّ على حدة، مراجعاتٍ وحسابات حقيقيّة؟ ما النتائج التي تمّ التوصّل إليها؟ وهل جرى إعادة النّظر في خيارات أو مسارات معينة بناء على هذه المراجعات؟

أعرف أنّ هذه الأسئلة قد تبدو مباشرة، ولكنها الأسئلة المطلوبة حول ملف “الحوار والمصالحة“، كما أن مجموع هذه الأسئلة، والإجابات عليها، يمكن أن يقدّم لنا صورة مصغرة، أو خلاصة معتبرة، حول كيف تفكر الحكومة والمعارضة، وكيف تعملان، وأين تكمن العوائق والتحديات، وما هي الفرص والمحفزات.

كم كنتُ أتمنى لو أن هناك مؤسّسة أو جهة أو شخصيّة مؤثرة، ولديها موقع متوازن بين الحكومة والمعارضة، تستطع أن تجمع الطرفين على طاولة واحدة، فقط لتناول هذه الأسئلة، وتقديم إجابات عليها. عندها سنكتشف أننا أفرطنا في أشياء، وفرّطنا في أشياء أخرى.

لدينا نضال طويل، وتضحيات كبيرة، قدّمها الجميع، ومن كل المستويات والفئات، ولكن الحلقة المفقودة حتى الآن هو في عدم الثقة بأنفسنا، وفي قدرتنا على إنجاز مصالحة بحرينية، لا تقل عن مصالحات أخرى حصلت في بلدان عانت من الخلافات والنزاعات. وهذا في رأيي فيه عدم تقدير كاف للنضالات والتضحيات، التي يجب أن تصبّ في مكانها الصّحيح الذي يخدم النّاس.

من هذا الكلام، أريد الوصول إلى نقطة محدّدة، وهي وجهة نظر قابلة للنّقاش، ويمكن أن يختلف معي كثيرون حولها، ولكني مقتنع بها بدرجة كبيرة اليوم. برأيي، لسنا بحاجة في البحرين إلى أكثر من نيلسون مانديلا لكي نصل إلى قناعة جماعية بالحاجة إلى إيقاف الصّراع، والكف عن استنزاف الوطن، والدخول في حوار ومصالحة حقيقية. قدّمنا نضالات غير بسيطة، وهي في مستوى أن تُنضّج مصالحة بمستوى مقبول.

لسنا بحاجة إلى محن عصيبة، حتى تتهيأ الظروف والنفوس والعقول لقبول السّلام والاستقرار والحلول الاتفاقية! لا يجب أن نربّي قابليات الناس والأجيال على أننا لابد أن نخوض أزماتٍ متواصلة لنصل إلى الأهداف! لقد قدّم الناس، عبر عقود وسنوات، ما يكفي لإنتاج أكثر من حوار، وتهيئة أفضل مصالحة يمكن أن نتصورها. لم تكن المشكلة في عدد سنوات النضال، أو في حجم التضحيات، لكي نظن أننا بحاجة دوما إلى ثورة أو أزمة لكي ندخل في نادي “المناضلين المنتصرين“! هناك نضال كبير، وتضحيات لا حدود لها، ولكن أعود وأقول إن هناك تفريطا وإفراطا

إنّ ظروف البحرين، وطبيعة التاريخ النضالي المتراكم لشعب البحرين، باتت مؤهلا – وليس الآن فقط – لإنتاج مصالحة حقيقيّة، ودائمة، فهناك إرث متراكم من تجربة مانديلا تتجمّع بين أيدينا، والأمر النّاقص عندنا هو استكمال الطريق الذي انتهى إليه المناضل الجنوبي أفريقي الرّاحل، عندما وجد الفرصة المناسبة لتحويل النضال إلى تثمير على الأرض، وتوظيف التضحيات في خدمة الناس، لإنهاء معاناتهم وآلامهم، وبما لا يسبب معاناة وآلاما للآخرين. هذا هو الدرس “المانديلي” الذي لم يكتمل بعد في البحرين. وفي رأيي، تتحمّل الحكومة نسبة كبيرة من المسؤولية عن ذلك، وكذلك المعارضة تتقاسمها جوانب من هذه المسؤولية.