أكّد الشّيخ ميثم السّلمان، رئيس مركز البحرين للحوار التسامح، بأنّ الظّروف اليوم في البحرين باتت “أفضل بكثير من الماضي، على مستوى قابليّات مختلف أطراف الأزمة لانطلاق الحوار والمصالحة الوطنيّة“. وتطرّق الشّيخ السّلمان في ندوة نظمتها قناة “تلال نيوز” على موقع يوتيوب، يوم الأحد ١٨ يوليو ٢٠٢١م، إلى المناضل نيلسون مانديلا، وقال بأنه كان “أيقونة للنّضال من أجل المواطنة المتساوية، ونبذ خيارات العنف“.
وقدّم الشّيخ السّلمان قراءات مقارنيّة بين تجارب الحوار والمصالحة في إيرلندا الشّمالية، وجنوب إفريقيا، وفي تونس والمغرب، وأوضح بأن “التحدّيات الاقتصادية والصّحيّة الناتجة عن وباء كورونا في البحرين، إضافة إلى دوافع أخرى، ينبغي أن تحفّز طرفي الأزمة في البلاد على السّعي والاجتهاد والمبادرة من أجل رؤية مستقبل البحرين، بعيدا عن تبعات الأزمة التي قد تعيق الحوار والمصالحة“.
الرموز في السجن وطنيون ولديهم المرونة الكافية
وفي الوقت الذي أشار فيه إلى إنكار الحكومة لوجود أزمة سياسيّة في البلاد؛ رأى الشّيخ السّلمان بأنّ “الأستاذ عبدالوهاب حسين، والأستاذ حسن مشيمع، والشّيخ علي سلمان؛ يمتلكون المرونة الكبيرة والرّغبة في نقل البحرين إلى واقع جديد، ينعم فيه الجميعُ بالاستقرار والحقوق المتساوية والعدالة الاجتماعيّة“. وأضاف بأنه “رغم بعض التّوظيفات من بعض الجهات، إلا أنّ الرموز المعتقلين لا يتبنّون خيار العنف، بل يصرّون على الوسائل السّلميّة، ولا يخضعون لأجندة خارجيّة، ويصرّون على الوصول إلى تسوية سياسيّة داخل المطبخ البحريني الخاص، وذلك لأنّهم يعيشون ذلك الحرص على سلامة الوطن، وأمن الوطن، وعلى مصالح الوطن، وعلى رعاية أبناء هذا الوطن”.
المطلوب إرادة وموازنة لمعالجة وضع المؤسسات
وعبّر الشّيخ السّلمان عن ترحيبه بوجود مؤسّسات رسميّة معنيّة بحقوق الإنسان، ومنها المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان، وأكّد أن عددا من النّشطاء وأهالي الضّحايا والجمعيّات الحقوقيّة تواصلوا مع المؤسسة المذكورة، إلا أنّه أوضح بأن المؤسّسة كان بإمكانها أن تؤدّي دورا إيجابيّا أكبر “لتحسين الأوضاع الحقوقيّة في البحرين”، ولكن العائق يعود إلى بعض المسائل التي تتعلق بمدى التزام المؤسسّة بمعايير “باريس”، وأن تعمل المؤسّسة على الارتباط بالضّحايا والمؤسسات الأهليّة لحلّ المشكلات ومعالجة الشّكاوى.
وعبّر الشّيخ السّلمان عن أمله في أن يستعيد المجتمع الأهلي في البحرين نشاطه الحيوي، وقال بأن البحرين قادرة على ذلك في حال كانت هناك “إرادة وتصميم من الجهات الرّسميّة، وفي حال تحلّت الجهات غير الرّسميّة بالثّقة والموازنة“.
المركز يؤكد على دور وموقع الغريفي
وأشار الشّيخ السّلمان إلى اهتمام مركز البحرين للحوار والتّسامح بالخطاب الحواري الذي يقدّمه العلاّمة السّيد عبدالله الغريفي، وقال بأنّ المركز أصدر أكثر من دراسة ومواد بحثيّة حول العلاّمة الغريفي منذ العام ٢٠١٥م. وأكّد على أهميّة الدّور الذي يقوم به العلاّمة الغريفي على مستوى الدّعوة إلى الحوار، ومدّ الجسور، والعمل على التواصل الدّائم مع الجهات المعنيّة والمؤثرة في البلاد، وقال بأنّ الجهد الذي يقوم به العلاّمة الغريفي تم التّعاطي معه “بروح إيجابيّة” من قبل القيادات السّياسيّة في السّجن، والجمعيّات السّياسيّة، والمؤسسّات الأهلية، ورجالات الدّولة أيضا.
تجربة إيرلندا: الحل في المواطنة المتساوية
وقد قدّم الشّيخ السّلمان استعراضا تحليليّا لتجربة الحوار والمصالحة في إيرلندا الشّماليّة، حيث كان الصّراع بين الكاثوليك والبروتستانت، وقال بأنّ ما ننعم به في البحرين من تلاقٍ وعلاقة وطيدة بين السّنة والشّيعة هو أفضل حالا مما كان عليه الحال في إيرلندا، إلا “التّوظيف السّياسي أدّى إلى إبعاد أبناء الوطن الواحد، وتعزيز الانقسامات بسبب الاختلاف السّياسي، والحوادث التاريخيّة، التي يجب ألا تكون سببا للتفريق بين أبناء الوطن الواحد“.
وأوضح بأن التوصّل إلى حلّ الأزمة في إيرلندا تمّ من خلال الحوار الطّويل والجاد، وتم تعزيز الحلول من خلال تشريع قوانين وتدابير تشريعية لمنع التمييز، وتأكيد المواطنة المتساوية، حيث تمّ إنشاء مؤسّسة خاصّة هناك لضمان تحقيق ذلك في المؤسّسات والمعاهد والجامعات.
مانديلا: أيقونة النضال ضد التمييز.. ونبذ العنف
وتطرق الشّيخ السّلمان إلى تجربة النّضال في جنوب إفريقيا، وأوضح بأن نيلسون مانديلا يعتبر “أيقونة للمطالبين بإلغاء التّمييز، وتحقيق المواطنة المتساوية“، وأشار إلى أن مانديلا بقي يناضل لتحقيق هذا الهدف، من داخل السّجن، حيث بدأت الحوارات من هناك، وحتى بعد خروجه من السجن، عندما سعى للحوار وإجراء المصالحة من أجل تحقيق هذا الهدف.
وذكر السّلمان بأن مانديلا ركّز على أمور ثلاثة أساسيّة، وهي المواطنة المتساوية، والحقوق الاجتماعيّة والسّياسيّة المتساوية بين كلّ الأطراف، وتعزيز مبادئ اللا عنف. وأشار إلى أنّ مانديلا كانت لديه الشّجاعة للتّراجع عن خيار العنف، وأنه لم يكن الخيار الصائب في تحقيق الأهداف، وهو ما جعله “أيقونة لتعزيز ثقافة اللا عنف والوسائل المدنية في المعارضة السياسيّة“.
وقد تناول الشّيخ السّلمان قراءات مقارنيّة بين تجارب البحرين في العام ١٩٩٤ وتجارب إيرلندا وجنوب إفريقيا، وأوضح بأن السّعي كان لدى القيادات في ذلك الوقت للعمل من أجل بناء الثّقة، والعمل على تهيئة الطّريق للدّخول في الحوار من أجل الحقوق السّياسيّة، إلا أن الظّروف آنذاك لم تُنتج هذا الحوار، حيث تصاعد التّوتر، إلى حين مجيء مرحلة الميثاق في العام ٢٠٠١م.