بقلم: فاطمة علي
كاتبة بحرينية
(مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط)
يمتلك البحرينيّون سمعة حسنة تتمثّل بالطيبة والتسامح والانفتاح على الآخرين، وهو إرثٌ يشهد عليه جميعُ من زار المملكة، وكلّ منْ تعاطى مع مواطنيها، سواء داخل البحرين أو خارجها، بالإضافة إلى أنّ النّسيج الاجتماعي المتكاتف والمتكافل والمتماسك مع بعضه البعض؛ لم يُظهِر يوماً ولاءه لغير الوطن.
يتعاطف هذا الشعب الطيّب مع جميع الناس، من العرب والأجانب دون استثناء، ويشاركونهم أفراحهم وأحزانهم، ويتّصفون بالرّحمة لنسيانهم جروح الماضي، وهو ما تؤكده زيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لجزيرة سترة في العام 2001 خلال فترة مشروع ميثاق العمل الوطني. وحينها، حظي الملك حظي باستقبال شعبي كبير، على الرغم من خزّان الضّحايا والشّهداء الذي يتوزّع في كلّ مناطق سترة ومنازلها.
تكثر الشواهد التي تؤكّد الخصال الحميدة التي يمتلكها البحرينيّون، ففي مطلع يونيو الماضي أصدرت جمعية الوفاق الوطني الإسلاميّة بيان تعزية ومواساة لعائلة الرويعي عبّرت فيه عن بالغ حزنها وألمها الشّديد للفاجعة التي حلّت بالعائلة جرّاء فقْد الأم وبناتها الثلاث خلال أسبوع واحد إثر مضاعفات إصابتهن بالكورونا، كما أبدى الشّعب تعاطفه الإنساني مع العائلة المنكوبة، بغضّ النّظر عن الدّين والمعتقد.
ولا تُعَدّ هذه الحادثة هي الوحيدة التي تُظهِر وحدة الصفّ، فقد تفاعل البحرينيون سابقاً بمختلف توجّهاتهم على مواقع التّواصل مع نبأ وفاة الناشط الاجتماعي والحقوقي البارز الكاتب عارف الملا، الذي عُرِفَ بنشاطه الإنساني، وبالتواصل مع مختلف التيارات السياسيّة والدينيّة.
وقبل ذلك، لم ينس أحدٌ أجواء الحزن التي خيّمت على البحرين من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها يوم 28 يونيو 2016 حين استيقظت البحرين على نبأ رحيل طفلين في عمر الزّهور يحملان ذات الاسم «فراس»، أحدهم من بني جمرة والآخر من منطقة الحدّ. حينها خيّم مشهد التلاحم والأخوّة بين أهالي المنطقتين الذين تبادلوا واجب العزاء والمواساة فيما بينهم.
وكان الحال ذاته في الرفاع والبديع يوم 26 فبراير 2012، يوم فُجِع أهالي منطقتي سار والحجر برحيل 6 شابات في عمر الزهور إثر حادث سير أودى بحياتهنّ جميعاً.
ومنْ ينسى حملات التبرّع بالدم في شهر محرم الحرام التي تشهدها العاصمة المنامة وغيرها من القرى في كلّ عام، حين اختلط الدم البحريني مع بعضه البعض؟ وهل ينسى أحدٌ شهر ديسمبر من العام 2019 الذي شهد بدء دورة كأس الخليج لمجلس التعاون الخليجي؟ لقد استقبل البحرينيون برمّتهم آنذاك منتخب البحرين الأول الذي يمثّل المملكة والشعب نتيجة تأهّل المنتخب للنهائي، كما عبّروا عن فرحتهم يوم ظفر المنتخب بالكأس لأول مرة في التاريخ من خلال استقبال امتد لأكثر من 40 كلم، ناهيك عن الكثير من الأحداث الكثيرة التي تطول لائحتها، والتي تشهد على طيبة هذا الشّعب ونقاء قلبه وسعة صدره وحبّه للوطن.
إذن، لم يكن ولاء الشعب – بكلّ أطيافه ومذاهبه – سوى للوطن، فالمعارضون السّياسيون وأصحاب الرأي الآخر الذين تتهّمهم بعضُ أقلام الفتنة والكراهيّة بحياكة المؤامرات على الحكم والدّولة والتبعيّة للخارج؛ ما انفكّوا يوماً وفي مختلف المناسبات والأحداث المفصليّة عن إظهار صدقهم ومصداقيتهم في بناء وطن زاهر ومتقدّم وعادل لجميع أبنائه، من خلال مدّ اليد للجميع، ومن كلّ الأطراف، من أجل إعادة فتح قنوات الحوار، وإعادة تفعيل المشروع الإصلاحي الذي أطلقه الملك في العام 2001 لجبر خواطر العوائل وتصحيح الأوضاع وإنصاف المتضرّرين لتصبح البحرين وطناً يحتضن جميع أبنائه.