- لمشاهدة الندوة كاملة على موقع يوتيوب: من هنا
أكّد العلاّمة الشّيخ حسين الخشن، أستاذ البحث الخارج في المعهد الشرعي الإسلامي في لبنان، بأن هناك فرقا بين “الدين والعصبيّة الدينيّة”، وأوضح بأن الدين يدعو إلى التسامح، إلا أنّ هناك مشكلة ظهرت في تاريخ الأديان من خلال التعصّب الديني، الذي اعتبره الشيخ الخشن من أسوأ أنواع العصبيّات التي تسيء إلى الدين.
جاء ذلك في الندوة التي نظمها مركز البحرين للحوار والتسامح، يوم الثلاثاء ٢٩ يونيو ٢٠٢١م، في باكورة ندواته في هذا الموسم على موقع “زووم”، وحملت الندوة التي أدارها الأستاذ جاسم محمد عنوان “تجريم العنف والتعذيب في الشرائع الدينية والقوانين الدولية“، وشارك فيها السيد يوسف المحافظة، نائب رئيس منظمة “سلام” للحقوق، الذي أوضح بأن القانون الدولي دان التعذيب بكلّ أشكاله، واستعرض المحافظة جوانب من القوانين الدولية التي جرّمت التعذيب، كما تطرّق إلى العديد من الآليّات المناهضة لهذه الجريمة، ومن ذلك تخصيص يوم ٢٦ يونيو من كل عام يوما لمساندة ضحايا التعذيب.
تأصيل منهج الرّفق
وتطرق الشّيخ الخشن إلى مسؤولية القيادات الدّينيّة في مواجهة العنف والتعذيب، وأوضح بأنّ هذه المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع للتّصدي لما وصفه بـ”النزعة المتوحشّة” نحو العنف. وقال الشيخ الخشن بأنّ “الأصل في الإنسان هو الخير“، وأنّ قيادات الأديان معنيون “في مواجهة العنف، لأن رسالة الأديان هي أنسنة الإنسان وتهذيبه” وأن الخطاب الديني ينبغي أن يكون موجّها ضد العنف. وقال بأن أخطر الجماعات التي مارست العنف كان تقوم بذلك من خلال غطاء الدين، داعيا إلى تأصيل منهج الرفق، ليكون هذا المنهج هو الذي يحكم الحياة بكل مفاصلها.
وذكر السّيد المحافظة بأن هناك العديد من الوسائل التي يمكن أن يقوم بها المجتمع الحقوقي في مواجهة التعذيب والعنف، ومن ذلك القيام بحملات المناصرة، والتوعية ضد التعذيب، والعمل على نشر الثقافة التي تناهض أشكال التعذيب المختلفة، سواء على مستوى الحكومات أو غير ذلك.
كما أوضح أنّ قيام المنظمات الأممية والدولية بزيارة السّجون يُعدّ جزء من الوسائل التي تعمل على الحدّ من ارتكاب هذه الجريمة، حيث تقوم المنظمات بتقصي الحقائق، ونشر التقارير، ولقاء الضحايا، مما يمثل رادعا لمنع ارتكاب التعذيب مستقبلا. كما ذكر المحافظة أن هناك جهات أممية، مثل المقرر المعني بالتعذيب التابع للأمم المتحدة؛ يمكن أن يستقبل شكاوى التعذيب، سواء من الأفراد أو من غيرهم، وتعمل الأمم المتحدة بعدها بمخاطبة الدّول المعنية وطلب التوضيحات. فضلا عن ذلك، فإن هناك محاكم أوروبية تتابع هذه الشكاوى، وتعمل على ملاحقة المتهمين بالتعذيب.
ومن جهة أخرى، ذكر المحافظة بأن المجتمع الحقوقي أنتج ما يُعرف بالعدالة الانتقالية، والتي تمثل واحدة من الآليّات لمنع التعذيب ومعالجة آثاره، حيث تتضمن العدالة الانتقالية جملة من التدابير القضائية وغير القضائية، لمنع تكرار الانتهاكات، بما في ذلك الملاحقة القضائية، وجبر الضرر، وتأهيل الضحايا وتعويضهم، وتشكيل لجان الحقيقة والإنصاف. وقال المحافظة بأن هذه الأمور تمّ تطبيقها في عدد من الدول بالفعل، كما تم تحقيق إنجازات على هذا الصّعيد في أكثر من دولة.
الحقيقة المطلقة لا تبرر العنف والإقصاء
أكّد الشيخ الخشن بأن التعذيب بكل أشكاله مرفوض في الشريعة، حيث “لا يجوز إذلال الآخرين وتعذيبهم بأي عنوان”. وأوضح بأن هناك استثنائين في هذا الخصوص، الأول يتعلق بالقصاص، والآخر يتعلق بالدفاع عن النفس وردع العدوان. وقال بأن من أبرز مظاهر التعذيب المرفوضة، هو تعذيب السجناء، وأشار إلى أنّ النصوص الدينية أكدت على حرمة ذلك، وأكدت كذلك بأن أي اعتراف يُدلي به منْ يتعرض للتعذيب هو اعتراف ملغٍ ولا يؤخذ به.
وفي خصوص مقولة الحقيقة المطلقة لدى المؤمنين بالأديان، وأن ذلك قد يكون سببا يؤدي إلى العنف، قال الشيخ الخشن بأن الاعتقاد بفكرة الحقيقة المطلقة لا يقود حكما إلى الإقصاء وممارسة العنف ضد الآخر، مشدّدا على أن الإيمان بالدين الإسلامي باعتباره حقيقة مطلقة لا يعني امتلاك الحقيقة المطلقة، ونفي الآخرين، وأنهم لا يملكون جزءا من الحقيقة أيضا.
وأوضح الشيخ الخشن بأن الحقيقة التي نملكها تظل نسبيّة، بما في ذلك الأحكام الشرعية، التي هي اجتهادية، وليست حقيقة مطلقة. وأضاف “على فرض أنني أملك الحقيقة المطلقة، إلا أن ذلك لا يبرّر أن ننسف ما عند الآخرين، قبل الاطلاع عليه ومناقشته. ولا يسمح ذلك أن نفرض رأينا على الآخرين، ومصادرة حرية الآخرين، ومنعهم من تبني عقيدة مخالفة“، مؤكدا أن التعنيف، بما في ذلك العنيف اللفظي مرفوض في التّعاليم الدينية الثابتة. وأشار إلى مشكلة “الغرور الديني” الذي اعتبره “كارثة” تدفع صاحبه إلى ممارسة العنف ضد الآخرين، كما أوضح الخشن بأن المشكلة لا تعود إلى الدين ولكن في بناء شخصية المتدين، وكيفية فهمه للدين ورسالة الدين في الحياة، وعدم الانتباه إلى أن رسالة الدين هي رسالة حياة وفرق وسلام وأمن للبشرية، على كل الأصعدة.
التعذيب النفسي وآثاره
تناول السيد المحافظة التّعذيب النفسي، واعتبره أخطر من التعذيب الجسدي. وذكر أنواعا من التعذيب النفسي الذي يشمل الحرمان من الطعام أو النوم، والتهديد بالتعذيب، وإجبار شخص على مشاهدة أو الاستماع لتعذيب آخرين، وكذلك الانتظار الطويل في إجراءات التقاضي، حيث اعتبر القانون الدولي ذلك كله شكلا من أشكال التعذيب. وأشار المحافظة كذلك إلى جملة من الآثار النفسية الناتجة عن التعذيب، مثل القلق، وتدمير العلاقات الاجتماعية، والكآبة، وما بعد الصدمة والتوتر الناتج عن تجربة التعذيب.
نقد تراث “العنف”
وحول الحلول المقترحة لمعالجة ظاهرة العنف والتعذيب، قال الشيخ الخشن بأن الحل يبدأ بإعادة قراءة “تراث متراكم يحرّض على العنف والتعذيب والإقصاء والاستهانة بالآخرين“، سواء العنف الجسدي، أو العنف النفسي، وسلْب الآخرين حقوقهم المعنوية، وإباحة سبهم ولعنهم وغيبتهم. وأوضح الخشن بأن هناك تراثا متراكما “غثه أكثر من سمينه“، بحاجة إلى غربلة هذا التراث الذي لا ينسجم مع الكتاب والسيرة، وأن تتم إعادة قراءة هذا التراث على ضوء المقاصد القرآنية. كذلك أوضح الشيخ الخشن ضرورة نشر ثقافة العدل، وبناء المجتمع على أساس لا تعرف الاستبداد والظلم. وقال بأن هناك حاجة إلى منظومة متكاملة تأخذ بالأمة نحو المقاصد الكبرى لجعلها “خير أمة”.