بقلم: علي باقر

كاتب بحريني

 –المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط –

 

توجد هناك ملفات عديدة لابد أن تكون أمام أعين الجميع، وخاصة بالنسبة للذين يسعون إلى صناعة مرحلة جديدة “إيجابية” في البحرين. ملف السجناء هو ملف مهم، وحسّاس، ولكني أعتقد أن هذا الملف هو أكثر ملف يمكن معالجته، وبأسلوب يتناسب مع الحكومة والمعارضة، أي بأسلوب لا تشعر فيه الحكومة بأن هيبة الدولة تتعرض لأي تجاوز، وكذلك بما لا يجعل المعارضة تشعر بأنها تتسبب في استمرار معاناة إنسانيّة، من غير فائدة مرجوة من ذلك على صعيد الحراك السياسي المعارض.

إذا نظرنا إلى مسار الأحداث، منذ سنوات قليلة، فسوف نجد أن هناك تتابعا مستمرا باتجاه إنهاء ملف السجناء، وبالأسلوب الذي أشرتُ إليه. إذن، ليس على الحكومة ولا على المعارضة أن يخوضا في معارك أو تجاذبات في هذا الملف، بل عليهما – وكلٌّ من جانبه – أن يُسهّلا من معالجته وحلحلته، انطلاقا من دافع مشترك، أو يجب أن يكون مشتركا بين الطرفين، وهو الدافع الإنساني الخالص. ولدي شعور بأن الظروف القائمة، وطبيعة التحديات التي تخرج عن سيطرة الجميع – مثل جائحة كورونا، وتغيرات الوضع الإقليمي والدولي – كلها ستدفع أكثر فأكثر لوصول الطرفين إلى هذه النقطة المشتركة، آجلا أو عاجلا.

ولكن، علينا من الآن أن نفكر في بقية الملفات، التي أعتقد أنها خارج تفكير الطرفين، حتى الآن على الأقل. وأتحدث هنا تحديدا عن ملف معين، لأن له صلة بمناسبة دولية يحتفل بها العام في ٢٠ يونيو من كل عام، وهي يوم اللاجئ العالمي.

قرأتُ قبل نحو سنتين مداخلة لمركز البحرين للحوار والتسامح، قدّمها في منتدى اللاجئين الدولي، الذي عُقد نهاية العام ٢٠١٩م. في الواقع، شعرت بالصدمة والاستياء الشديد وأنا أقرأ المداخلة التي تحدثت عما وصفته بـ”الشتات البحريني”. لستُ موافقا للقول بأن هناك “شتاتا بحرينيا”، وأعتقد أن هذا وصف إعلامي وفيه مبالغة، وليس وصفا حقوقيا أو موضوعيا. عموما، ليس هذا هو المهم، الأمر الهام في الموضوع هو أن هناك بالفعل انتشارا واسعا للبحرينيين في مختلف دول العالم. هناك حالات وأسباب مختلفة، ولكن هناك عامل مشترك في أغلب هذه الحالات، وهو العامل السياسي. كثير من هؤلاء البحرينيين المشتتين في أصقاع العالم؛ اضطروا للخروج من البلاد لأسباب سياسيّة.

اليوم نحن أمام ظاهرة حقيقية، سوف نختلف في حجمها، وفي أسبابها، وقد نختلف كذلك مع نفس أفكار وتوجهات المواطنين اللاجئين في الخارج. ولكن المطلوب أن ننظر إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى. ليس من جانب الحكومة والمعارضة فحسب، ولكن اللاجئين أنفسهم، وخصوصا أبناء الجاليات البحرينية الذين لم يجدوا حتى الآن أسباب الاستقرار في الخارج، والتي يحلمون بها، لسبب أو لآخر.

بالنسبة للحكومة (أو الدولة بتعبير أدق) من مسؤوليتها أن تسأل عن هؤلاء. والسؤال يجب ألا يكون أمنيا، أبدا، بل سؤالا وطنيا وإنسانيا. لا يجب أن تتخلى الدولة عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها في الخارج، مهما كانت الظروف. ومن وجهة نظري، فإنه لا يوجد أي مبرر لأن تُخلي الدولة نفسها من هذه المسؤولية، ولو كان ذلك تحت حجة أن هناك لاجئين ضد الحكومة، أو أن اللاجئين لا يريدون أن يكون هناك أي اتصال أو تواصل مع الحكومة، أو أن هناك – فرَضا – من لا يفكر أصلا بالعودة إلى وطنه، وأنه قطع كل الصلات مع الوطن، واختار أن يكمل حياته في وطنه “الجديد”. هذه الأمور، أو غيرها، برأيي ليست سببا لأن ترفع الحكومة يدها عن ملف البحرينيين المقيمين في الخارج، من اللاجئين الذين استقر بهم الحال، أو ممن لازالوا يعانون الاغتراب وعدم الاستقرار في الخارج.

ما الذي يجب على الدولة القيام به؟ هناك أمور كثيرة، وأنا واثق أن هناك عقولا في الدولة قادرة على أن تبتكر العديد من الخطوات والمبادرات في هذا الجانب. ولكن المبدأ هو أنه ليس على الدولة أن تنسى أبناءها في الخارج، ويجب أن تُبقي مسؤوليتها تجاههم قائمة، وتحت عنوان: “البحرين هي وطنكم، هذه الديار مفتوحة لكم، ليس هناك من يمنعكم من العودة إليها”. طبعا، طبعا، لا يجب أن يكون الأمر شاعريا هكذا، أو مجرد كلام في المناسبات، بل لابد أن يكون ممارسة على الأرض، وبناء على استراتيجية وخطة عمل، واضحة وشفافة.

ولكي تكون الأمور هكذا، فإن المعارضة عليها مسؤولية وطنية وإنسانية أيضا.

لا يجب أن تتحمل المعارضة عبء التسبّب في خلق أجيال جديدة من البحرينيين في الشتات، ولا أن تكون السبب غير المباشر في معاناة عدد من الجاليات.

من المفهوم أن المعارضة ليست من مسؤوليتها أن تتحمل الأعباء الكبيرة تجاه المواطنين المنتشرين في الخارج، فهذا فوق طاقتها، وخارج صلاحياتها، والقوانين لا تسمح لها بأن تمارس مثل هذه المهمة. ولكن، تستطيع المعارضة أن تتولى مسؤوليتها من خلال رفع مبررات استمرار البحرينيين في ظاهرة التشتت واللجوء والاغتراب، وهي يمكنها أن تفعل ذلك من خلال رؤيتها السياسية المعارضة، ومن غير أن تقدم “تنازلا على طبق من ذهب”.

من ناحية، يمكن للمعارضة – بل عليها برأيي – أن تثبّت في خطابها بأن البحرين هو الوطن، وليس بلدان الاغتراب. ومن ناحية أخرى، أن تدعو في مختلف المناسبات إلى ترسيخ فكرة العودة إلى الوطن، بما يقتضيه ذلك من استمرار النضال السياسي من أجل وطن يقوم على الحرية والعدالة. سوف تكون المعارضة، أمام ذلك، معنية بأن تجتهد بدورها في تعبيد الطريق لتحقيق هذا الأمر، ولمعالجة ملف اللاجئين والمهجرين، وبالأسلوب المتاح، الذي ينهي المعاناة القائمة بسبب هذا الملف، ويمنع الآثار المستقبلية الخطيرة المترتبة عليه، وبما لا يرفع عن المعارضة مسؤوليتها الأساسية في التمسك بالحقوق السياسية على وجه الخصوص.

هذه مسؤولية الدولة، وهذه مسؤولية المعارضة. أما اللاجئون والمهجرون فهم معنيون بأن يساهموا في الحل والمعالجة المرجوة، من خلال عدم التخلي عن حق العودة إلى الوطن، والتمسك بهذا الحق مهما كانت مغريات اللجوء، وأن يكونوا عونا للدولة والمعارضة في أي سبيل أو اقتراح أو مبادرة من شأنها أن تسهّل العودة الآمنة، والكريمة إلى وطنهم البحرين.