مقال رأي بقلم: صادق الستري
- المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كاتبها فقط –
قد يعتقد كثيرون أنني أصبحتُ مصابا بالأمل! لا شك أن هذا الكلام، الذي يبدو وكأنه “اتهام” هو من غرائب الأمور، حقا وصدقا! فكيف يمكن أن تتهم أحدا بأنه “مُصاب بالأمل“؟! هل الأمل مرض، أو فيروس قاتل ينبغي النجاة منه والشّفاء منه؟! ربما يكون كلامي غير واضح، وفيه غموض، ولذلك سوف أبدأ بشرح سريع.
بعد أن استلم ولي العهد، الشيخ سلمان بن حمد، رئاسة الوزراء، شهدنا موجة من “الأمل” بأن هناك مرحلة جديدة على وشك أن تدخلها البلاد. في الحقيقة، وحتى لا أجامل أيّ أحد، فأنا لم أكن من بين الذين انضموا إلى التّصفيق السّريع. لا يعني ذلك أنني لا أحمل مواقف إيجابية من ولي العهد، ولكن لأن طبيعتي لا تتحمس للانخراط في “الأفراح” المفاجئة أو المؤقتة. بالنسبة للأمل، أي الأمل في الخير والصلاح؛ فأنا لم أتوقف عن العزف عليه، وإلقاء النشيد فيه، وإعلاء الصوت بكلمات الفرج القريب. الذين ينقطعون عن نشيد الأمل؛ هؤلاء لا أثق فيهم، أبدا، لأنهم يكونون عادة ضحايا للأمر الواقع، أو أنهم أسرى عواطفهم، التي تكون في الأعلى تارة، وتهبط إلى القاع تارات أخرى، ومن غير أن يكون هناك ضابط لهذا الارتفاع والهبوط. الأمل بالنسبة لي هو وجودي نفسه، بدون الأمل لا داعي للوجود أصلا. إن الوجود بدون أمل سيكون عبثا، سنكون مجرد عروق تنبض فيها الدماء، ولكن من غير حياة.
أعود إلى موضوع العنوان.
هناك متغيرات واضحة تشهدها البحرين. سوف نختلف في: حجم هذه المتغيرات، وفي حقيقة الأهداف الكامنة وراءها، وفي أشياء أخرى. ولكن هذا الاختلاف “المشروع” في هذه التفاصيل؛ هو دليل بحد ذاته على أن هناك متغيرات. بالنسبة لأمثالي – الذين أرجو أن يكونوا كثيرين – فإن “إصابتنا بالأمل” تجعلنا نعتبر أي متغير إيجابي، أو أي حدث فيه اتجاه نحو الإيجابية؛ هو فرصة لا ينبغي أن تمر مثل مرور الليل والنهار على الأطفال. مثل هذه الفرص هي مساحة للعمل السياسي الفعّال، ومن الممكن أن تكون منصة لتحريك الجمود والخمود، وفي إحداث الجديد والمفيد، واحد تلو الآخر. أعرف أن “المصابين بالإحباط” وبمشاعر أخرى سلبية؛ سيعتبرون هذا الكلام مجرد أحلام وردية، في أحسن الأحوال، أو هو التعب من النضال، كما قد يقول البعض في أسوأ الأحوال!
سوف أتجاوز ما سبق، وأقول رأيي بوضوح. إن وجود ولي العهد على رأس الحكومة، وبالنظر إلى المتغيرات (المحدودة جدا) التي لاحت في الأفق في الفترة الأخيرة – مثل الإعلان عن توسيع قانون العقوبات البديلة، وعدم فض اعتصامات أهالي المعتقلين بالقوة، والحديث عن إصلاحات في السجون، بما في ذلك برنامج السجون المفتوحة – إن كل هذه المتغيرات، رغم أنها لا ترتقى للتطلعات والأماني بالإفراج غير المشروط عن كل المعتقلين .. إلا أن الوضع الطبيعي، بالنسبة للمصابين بالأمل، هو أن يستفيدوا أقصى استفادة من الوضع الحكومي الجديد، وأن يدفعوا بكل تلك المتغيرات – وبمختلف فنون التمطيط والتفريخ والتوسيع – لكي يستولدوا منها متغيرات أخرى، أو يدعوا لمتغيرات مماثلة في بقاع أخرى. وهنا يأتي حديثي عن صحيفة الوسط.
لقد مرت قبل أيام الذكرى السنويّة لإغلاق الصحيفة. لقد كان يحذوني “الأمل” أن تعود “الوسط” مجددا إلى المشهد الصحافي المحلي، لتساهم بدورها الخاص في رفع مستويات الوضع العام في البلاد. أظن أن عودة الوسط باتت اليوم ضرورة لا تقل عن أية ضرورة أخرى من ضرورات تنعيم البيئات العامة، وتحسين النوايا المعلنة، من جانب الأطراف المعنية، وهي ضرورات لابد منها إذا أردنا الحديث عن التعافي من “أحداث ١٤ فبراير”.
في الواقع، ومن وجهة نظري، فإن ضرورة الوسط اليوم تتمثل في الأمور التالية:
– إنعاش المتغيرات الإيجابية المحدودة جدا التي تجري من الجهات الرسمية، وإحاطتها بالنقاش، بقصد توسيعها، وتحويلها تدريجيا إلى كل مساحات الوطن.
– إبراز ألوان متنوعة من النقد الإيجابي والبناء الذي تحتاجه الحكومة للإسهام – كما هو العمل المعتاد لأي صحيفة مستقلة وحرة – في تقدم الحكومة، وتطوير عملها.
– استقطاب الآراء الأخرى التي اختفت أو تم إخفاؤها، ومنحها منبرا للتعبير عن الرأي، وبالموازين المهنية التي تتيح للرأي والرأي الآخر بالنشر والظهور من غير إسفاف ولا نفاق.
– العمل على تحريك الجمود السياسي، وإزالة التكلس في الواقع المدني، لتكون الصحيفة نافذة لعودة المواقف السياسية المعارضة، وتشجيعا على إعادة الحيوية للمجتمع الأهلي.
– تقديم قراءات وأفكار مبتكرة في مقاربة أو معالجة الأوضاع العامة في البلاد، وهذا دور هام يمكن للوسط أن تقوم به من خلال التقارير والتغطيات والمعالجات الخبرية المختلفة.