بقلم: علي باقر

كاتب بحريني|

واحدة من الأحداث المؤسفة التي حلّت بالبلاد، هي تلك التي بدأت خصوصا في شهر يونيو من العام ٢٠١٦م. لا ريب أن تلك الأحداث أغلقت كثيرا من الأبواب، وقطعت الطريق على جهود كثيرة كانت تسعى للإصلاح. وقبل ذلك، كان اعتقال الشيخ علي سلمان بداية لتلك الأحداث المؤسفة. كان الشيخ علي مخلصا في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، وفي العمل الوطني من أجل الإصلاح ودفع الحوار والمصالحة الوطنية إلى الأمام. ولعل من أهم الكلمات التي تعتبر بالنسبة لي مؤثرة جدا، هو حديثه قبل اعتقاله، والذي قال فيه: “أحبائي في الوطن، الوفاق بيتكم.. مفتوحة لكم“.

قد تكون كلمات الشيخ علي بسيطة، ولكن هذا هو سر قوتها، وهذا سبب أنها كانت تحمل معاني كبيرة، وهذا هو السبب في أن يكون الشيخ علي روح الوفاق، وقوتها، والضمانة لها، كما هو ضمانة للإصلاح والعمل الوطني. على الجهات المعنية ألا تنسى أن “الوفاق” هي وليدة “المشروع الإصلاحي”، وأن غيابها يعني غياب وليد مهم لهذا المشروع المطلوب تطويره دائما. لم يتردد الشيخ علي في الدفاع عن مواقفه الوطنية، وكان – مع إخوانه المؤمنين حتى اليوم بنهجه الوطني – حريصا كل الحرص في تحقيق الإصلاح الحقيقي، والحفاظ على أمن الوطن واستقراره، وقد دفع – هو وإخوانه – كلفة باهظة بسبب ذلك، وقد بكى الشيخ علي عندما اختار بعض أصحابه أن يخرجوا من الوفاق بسبب اختلاف رأيهم مع الرأي الذي كان يمثله داخل الوفاق. ولكن الشيخ علي واصل سيرته المعتادة في احتضان الجميع، والاعتدال في الفكر، والوسطية في العمل، والحرص على مصالح الجميع، “السنة قبل الشيعة” كما كان يقول دائما.

بعد سنوات من اعتقال الشيخ علي، وبعد سنوات من إغلاق جمعية الوفاق، فإن الجميع اليوم في حاجة ماسة إلى مراجعة كل ما حصل بعد ذلك، والتفكير في النتائج والآثار، والعمل على إجراء تقييم وطني صريح وشجاع. فبعد كل هذه السنوات والأحداث، فإن الجميع بحسب رأيي بحاجة إلى الوئام و”الوفاق”. الصراع لم يعد له أي جدوى، لأن الجميع عانى منه، وخسر بسببه، مع اختلاف درجات الخسارة. لا يوجد رابح من وراء صراع لا يخلف إلا الآلام والمعاناة المريرة. ولكي ندرك حاجتنا كلنا إلى “الوفاق”، فعلينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية ما يلي:

– كيف كانت العلاقة بين السنة والشيعة قبل الأحداث المؤلمة واشتداد الصراع الداخلي؟ وكيف أصبحت بعد هذه الأحداث؟ وهل استمرار التشنج والعداء والخصومة بين هذين المكونين سيكون في مصلحة أحد؟ والسؤال المهم: هل الاستمرار في الأساليب غير الموضوعية سوف يعالج الخصومة بين هذين المكونين أم أنه سيؤزمها أكثر، وقد يؤدي إلى ما هو أسوأ مما حصل في ٢٠١١م؟ ألم يكن الشيخ علي سلمان من أفضل شخصية أهلية حققت على الأرض الانسجام والوئام بين السنة والشيعة، وهل هناك غيره الآن، وسط المجتمع الأهلي، يستطيع أن يعيد تجسير هذه العلاقة وإعادة “الوفاق” إليها؟

– ألم يكن الشيخ علي هو رجل الإصلاح في جمعيته؟ أليس في الخطاب الوطني الذي رسخه في السلم والحوار ونبذ العنف والتطرف داخل الجمعية وفي مجتمعه ما يؤكد بأن غيابه هو أمر مضر للوطن أولا وأخيرا؟

– ماذا لو تم التعامل مع جمعية الوفاق بأسلوب “الوفاق” وليس بالحل والإغلاق؟ هل النتائج التي تحققت بعد سحب ترخيصها تصب في صالح الوطن؟ وهل كان تغييب الشيخ علي، وبعدها إغلاق الجمعية، شجع على خطاب الإصلاح الوطني، وعزز الاستقرار العميق للوطن، أم أنه تسبب في تبلد المسيرة الوطنية في الإصلاح، واهتزاز العمل الوطني، وفقدان المجتمع الأهلي محركات ومنشطات هو في أمس الحاجة لها للتفكير المبدع والحيوي؟

– موضوعيا، ألا يملك الشيخ علي سلمان المؤهلات والتاريخ الوطني والحضور الاجتماعي الذي يؤهله أن يُسهم – مع آخرين – في إعادة الصلة بين أطراف الأزمة السياسية، وربطها من جديد تحت سقف التفاهم والحوار والمصالحة؟

أتمنى من الجميع أن يتأمل في هذه الأسئلة، لأن كل المواطنين، سنة وشيعة، لن ينفعهم هذا التشرذم والتجاذب السلبي، والجهات المختلفة في البلاد بما في ذلك اطراف الازمة في أمسّ الحاجة إلى الشيخ علي سلمان ولدوره الكبير، وخاصة في المرحلة المقبلة، التي يمكن أن تشهد فيها البلاد مشاكل كثيرة على المستوى الاقتصادي، مما يتطلب مزيدا من التلاحم والوحدة والتكاتف، وكذلك الصدق والحكمة والمسؤولية، بالشكل الذي أظهره الشيخ علي في لقاءاته مع ولي العهد في السنوات التي سبقت اعتقاله. وفي كل الأحوال، فإن المواطنين – بحسب اعتقادي – ينتظرون خطوات شجاعة في هذا الاتجاه، تعيد إلى الوطن “الوفاق”، ومن المؤكد أن عودة “وفاق” الشيخ علي سلمان هو جزء الاحتياجات التي تعين على عودة “الوفاق” إلى الوطن.