بقلم: صادق الستري

كاتب بحريني|

الإفراج عن الناشط نبيل رجب هو خبر مفرح، وقد يكون الخبر الوطني الأول في العام ٢٠٢٠م. يكفي أن نطالع ردود الأفعال الإيجابية التي استقبلت خبر الإفراج، والتي صدرت من جهات مختلفة، داخل البحرين وخارجها، وكلها أعطت رجب حقّه الذي يستحقه، وبدون مبالغة أو زيادة. ولكن الكلام بعد الإفراج عن رجب، وبعد أول تعليق أو تصريح نشره على حسابه في الانستغرام؛ قد يكون مختلفا، أو هو الكلام الذي يجب أن نحاسب له، ونوزنه وزنا وطنيا دقيقا.

الموضوع الذي طرحه رجب يتعلق بالعقوبات البديلة، وهذا الموضوع محل خلاف واختلاف، سواء من ناحية أصل القانون، أو طريقة تطبيقه. الأمر المثير هو أن رجب عبر عن موقف إيجابي من القانون، وتحديدا على المستوى الشخصي، كما تحدث عن مسعى لإنجاح القانون وتطويره. ربما هذا هو ما يفتح باب السجال مع رجب، وهو سجال – في اعتقادي – صحي وصحيح، ويريده رجب نفسه، ولا يخشى منه.

من وجهي نظري، قبل أي سجال أو نقاش مع ما رأي رجب، علينا أن نضع في الاعتبار المحددات التالية:

١- نبيل رجب ليس طارئا على العمل الحقوقي، وهو يعرف آليات وأدوات هذا النوع من العمل، وله باع طويل في ذلك، كما أنه شخصية مرموقة في الأوساط الحقوقية الدولية. من المفيد أن نضع ذلك بعين الاعتبار لكي لا نقع – بشعور أو بلا شعور – في أي مزايدة مع رجب أو الظهور بمظهر الأستذة أمامه.

٢- لنبيل رجب طريقته الخاصة في معالجة الوضع الحقوقي أو غيره، ولا شك أنه شخصية عامة، وبالتالي فإن أي كلام أو موقف يصدر عنه له ألف حساب، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون للرجل وجهة نظر ينبغي فهمهما ووضعها بعين الاعتبار حين نريد أن نسجل مواقفنا إزاء مواقفه وآرائه. هناك مشكلة كبيرة تتمثل في أننا ننظر إلى أنفسنا حينما نعبر عن آرائنا، ولا ننظر إلى غيرنا.

٣- هناك مشكلة نقع فيها جميعا، ومن غير أن نحسّ على أنفسنا، وهي أننا ننسى حق الآخرين في حرية التعبير، وخاصة عندما نجد تعبيرا أو رأيا مخالفا ومختلفا. من الجيد في هذا الوقت الحساس، أن ندرب أنفسنا على قبول الآراء الآخرى، وأن نثبت – للحكومة ولأنفسنا – أننا قادرون على الاستماع لوجهات النظر الأخرى، من غير اللجوء إلى التسفيه أو التسقيط أو الاستخفاف بها.

٤- موضوع قانون العقوبات البديلة هو موضوع هامشي، أو بمعنى أدق “جزئي”، ولا ينبغي أن يكون سببا في إضاعة البوصلة، أو الدخول في متاهات بعيدة عن الهدف الكبير المتعلق بحقوق الإنسان. هذا القانون مثله مثل “قانون الجمعيات السياسية“، وغيره، فيه ما فيه من نقص أو غيره، ولكن قد يضطر المرء – في ظل ظروف معينة – للعمل به، تماما كما فعلت الجمعيات السياسية في سنوات سابقة عندما ارتضت التسجيل ضمن قانون الجمعيات السياسية رغم اعتقادها الجازم بأنه “قانون ظالم“.

٥- من غير الحصافة خسارة الأصدقاء، وخاصة إذا كانوا من وزن نبيل رجب، ومن غير الحكمة الدخول في سجالات علنية، وفي موضوعات من الممكن أن تحتمل أكثر من رأي ووجهة نظر، وقد تكون المضرة من وراء ذلك أكثر بكثير من منفعة تسجيل الموقف والرأي، وخاصة إذا كان الأمر لا يقدم ولا يؤخر الكثير في الشأن العام الذي ينفع عموم المواطنين.

٦- لابد من مراعاة قانون “المكان” الفيزيائي. في داخل البحرين، ولمنْ يريد أن يؤثر فعلا في مجرى الأمور، يتحمل حسابات دقيقة، قد تكون مختلفة عن حسابات التموضع خارج البلاد. لا يعني ذلك أن من في الداخل يحق له كل شيء، ومن في الخارج ليس عليه إلا الصمت والقبول، ولكن المقصود أن نكون واقعيين، بمعنى أن نفهم الواقع، ونتفهّم من يعيش هذا الواقع ويعاني منه مباشرة، لأن كثيرا من تقدير الأمور وحسبانها لا يتحصل لمن يكون بعيدا عن الواقع، ولا يتلامس معه عن قرب.

هذه محددات أساسية أظن أنه من المهم مراعاتها لكل من يريد أن يختلف مع نبيل رجب بعد الإفراج عنه، وهذه المحددات لا تعني وضع هالة من التقديس حول رجب، ولكن الغرض منها أن نحافظ على الأمانة والصدق والمصداقية ونحن نعبر عن آرائنا ونطرح وجهات النظر في مختلف الموضوعات. وبهذا الالتزام سيكون لأي رأي قيمة واعتبار، وبدون ذلك فإننا نرتكب الظلم على أنفسنا مرتين، مرة لأننا نخسر الصديق الصدوق، ومرة لأننا نورط أنفسنا في الصراع العبثي.