- لتحميل الإصدار كاملا بصيغة بي دي إف: من هنا
المقصد الحضاري والإنساني في تشريع الزّكاة
قراءة في رؤية العلاّمة الرّاحل السيّد أحمد الغريفي
بسم الله الرّحمن الرحيم
قدّم العلامة الرّاحل السيّد أحمد الغريفي (مواليد البحرين ١٩٤٦- ١٩٨٥م) محاضرة في مطلع عقد الثّمانينّات من القرن العشرين، تناول فيها موضوع الزكاة في الإسلام. في هذه الورقة؛ محاولة مكثفة لمقاربة الرّؤية التي تتأسّس منها الأفكارُ الواردة في هذه المحاضرة، والوقوف عند بعض الاستنتاجات التي تتعلق بالأبعاد المقاصديّة التي تظهر جليّة في رؤية الرّاحل، والتي ترتبط بأمرين:
– الأول: طبيعة التّكوين الفكري الذي ينتمي إليه الرّاحل، بما يحمله من فهم واقعي للظروف المعاصرة.
– الثاني: استحضار القيم الإنسانيّة ومحتواها الحضاري من خلال الاستيعاب الدّقيق، والمتكامل، للتّشريع وأبعاده في الحياة.
ثلاثي أضلاع النهوض الحضاري
يقدّم الرّاحل العلامة السيّد أحمد الغريفي فريضة الزّكاة في الإسلام؛ من خلال منظورٍ إنسانيّ وحضاري متكامل ومنسجم، حيث لا يتم الاكتفاء بالوقوفِ على المعنى المباشر الذي تقدّمه هذه الفريضة، بما هي واجبٌ شرعيّ على المستوى المالي؛ بل ثمّة ملامسة للمعالجات الإضافيّة التي يُراد لهذه الفريضة أن تؤديها في حياة الإنسان، فردا وجماعة.
إنّ المقاربة التي يقدّمها الرّاحل تنظرُ إلى الزكاةِ باعتبارها واجبا شرعيّا له أبعاده ووظائفه المتعدّدة، والتي تشمل – على نحو تكامليّ – الثّلاثي الهام المطلوب استحضاره في أيّ قيام ونهوض حضاري للإنسان: (الفرد -المجتمع – الدولة). فكل مستوى من هذه المستويات احتياجات ومتطلبات، ومن غير الإحاطة بها كاملة فإنّ نقصا أو قصورا أو خللا سينعكسُ، بلا شك، في التّطبيقات الخارجيّة للرّؤية أو النظام الفكري.
فكرة التكامل والشمول في التشريع
يُعتبر الرّاحل السيّد الغريفيّ من الشّخصيّات الفكريّة التي تؤمن بفكرة التكامليّة والشّمول في التّشريع الإسلامي، وهو في ذلك يتحرّك من المدرسة الفكريّة لأستاذه المرجع العراقي المعروف الرّاحل السيّد محمّد باقر الصّدر (١٩٣٥-١٩٨٠م). وهذه الفكرة – أي فكرة تكامليّة وشمول التشريع – تتأسّسُ، هيكليّا، من الاعتقاد بضرورةِ أن يكون الإسلامُ هو المحور المحرِّك لكلّ سلوك الإنسان، وفي كلّ أبعاده الفرديّة والاجتماعيّة، انطلاقا من التّأسيس الفكري الذي يذهبُ إلى أنّ الإسلامَ ليس منفصلا عن الحياةِ ومتطلباتها المتغيّرة، بل هو “دين يقود الحياة”، إيمانا من شمولِ تشريعات الإسلام وقيمه لمختلفِ احتياجات الإنسان، باختلافِ الزّمان والمكان.
ولا تقف هذه الرؤية “التكامليّة والشّاملة”، لدى الرّاحل الغريفيّ، عند حدود التّشريعات العامة، أي شمول العناوين الكبرى في الإسلام للحياة واحتياجاتها، بل يؤكد السيّد الغريفيّ بأنّ كلّ تشريع من هذه التشريعات ينظرُ – في محاوره التفصيليّة (الجزئيّات)- إلى الزّوايا المختلفة، ويغطّي الاحتياجات المتعدّدة، ويلبّي “القضايا الملحّة” بحسب تعبير الرّاحل في سياقِ المحاضرة التي نلقي الضّوء عليها في هذه الورقة.