بقلم: علي باقر|

جزء من الموضوع له علاقة بالرّعب، كما تقول الكاتبة البحرينية (والمسؤولة الأمميّة)، خولة مطر، في مقال لها أخير بصحيفة الشروق المصريّة. في آخر المطاف، فالمسألة ليس في الخطر الخارجي الذي يفرضه فيروس كورونا، ولكن في أمور أخرى لها علاقة بصناعة السّلوك “البشري” غير السّوي حيال الأشياء الغاضبة التي تتحداه في الطبيعة. بحسب مقال مطر، فإنّ الفيروس – وأي شيء آخر غاضب من الطبيعة – يفضح السلوكيات غير السليمة التي قد يتستر عليها المرء أو يتلاعب بها وفيها. ولكن، في المقابل، فإن الغضب الذي يأتي من الطبيعة وضد الطبيعة -وما يسبقه ويلحقه من خطاب أو سلوك مسيء وسلبي– قد يكون هو الدرس التاريخي الذي لم يتعلم منه المجموع الأكبر من البشر، وبما في فيه الكفاية. وهذا مثال من البحرين.

قد يكون من المفيد، هذه الأيام، التذكير بمواقف من الزمن الماضي. في ١٨ فبراير ٢٠١١م دخلَ ولي العهد، الشّيخ سلمان بن حمد آل خليفة، على استوديو البث المباشر بتلفزيون البحرين، حيث كانت الإعلامية سوسن الشاعر تجري حوارا مع الصحفي إبراهيم بشمي. كان دخول ولي العهد مفاجئا للجميع، وفي الوقت نفسه فإن الجميع كانوا ينتظرون مثل هذه اللحظة التي يعلن فيها مسؤول كبير في الدولة موقفا واضحا لإنهاء الجدل، وقطع الطريق على الالتباس. في ذلك الوقت، ظهر ولي العهد بكلمات واضحة: التهدئة، الحوار مع الجميع، والحق في التظاهر السلمي. المؤكد أن هذه الكلمات فتحت الطريق للمؤمنين بالحوار، وتفاعلت معها المعارضة بشكل إيجابي، وعلى رأسها جمعية الوفاق، ولكن هذه الكلمات قطعت أيضا الطريقَ على مثيري الفتن.

بعد تسع سنوات، يتجدد المشهد، ولكن بشكل آخر، وفي قضية مختلفة. في الوقت الذي تواجه فيه البحرين – مثل بقية دول العالم – مخاطر تفشي فيروس كورونا؛ كان من المنتظر أن تتّحد كلمة البحرينيين، وأن ترتفع الأصوات المؤمنة بوحدة الوطن والمواطنين. حصلَ ذلك بالفعل، ولكن البعض حاول أن يعكّر الصّفو، أو يقطع الطريق أمام فرصة غير متوقعة ليجدد البحرينيون إبراز معدنهم الوطني الثمين.

الأمور اليوم تكاد تكون شبيهة، بدرجة أو بأخرى، بما حصل في ٢٠١١م، في حادثة دخول ولي العهد إلى برنامج سوسن الشاعر. عمل البعض آنذاك على التأجيج والتحريض على المواطنين، وكان القلق أنْ تزداد هذه المواقف وتؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه. ولكن موقف ولي العهد وضع حدا لهؤلاء، ولو لبعض الوقت.

من جديد، حاولت الوجوه نفسها أن تقوم بالأدوار السابقة. كان استغلال الوضع الصحي في البلاد بسبب كورونا؛ من أكثر الأمور إساءة وانتهاكا لكل الحقوق الإنسانية. لا يتوقف الأمر فقط في التحريض على المرضى، وإثارة الكراهية ضدهم بسبب خلفياتهم المذهبيّة، ولكن أيضا الوقوع في محذور بلبلة المجتمع، وانتهاك حرمة المرضى وأهاليهم وبيئاتهم، وتوريط الجميع في حفلات جديدة من الشتائم الطائفية. لذلك، كان لابد من موقف رسمي يضع حدا لهؤلاء.

لاشك أن مواقف ولي العهد كانت على قدر من الأهمية، وخاصة مع تشديده على الوحدة الوطنية، ودعوته لتوجيه المواجهة إلى الفيروس وليس المصابين به، وهو ما يتقاطع إيجابيا مع بيان جمعية الوفاق الذي أعقب تصريحات ولي العهد الأخيرة ببضع ساعات. ولكن أيضا لابد من التنويه بتصريحات الفريق الوطني المختص بمواجهة الفيروس، وهو فريق تعبر تركيبة أعضائه عن شكل ومحتوى الرسالة الوطنية التي لابد أن تكون واضحة للجميع، وخاصة أصحاب أجندة التأزيم والتحريض، وليس ذلك فحسب بل إن هناك حاجة لأن يكون هذا الفريق الطبي نموذجا يُحتذى به على صعيد الملفات الوطنية الأخرى، وخصوصا الملف السّياسيّ المتعلق بالحوار والمصالحة الوطنية. وهذا أمر جدير بأن يأخذه الجميع على محل الجد.