من خصال الخطيبِ العدناني، السّيد محمّد صالح الموسوي (مواليد البحرين ١٩١٨- ٢٠٠٧م)؛ هو اهتمامه بالعلوم، وانكبابُه على المعرفةِ والتّأليف، حدّ الإدمان والموسوعيّة. هذا الشغفُ بالمعرفةِ؛ فتحَ عقلَ الخطيبِ العدناني وروحَه على الحياة، بما هي معارف وعلوم وتجارب وخيارات. لم تكن هناك حدود أو سقوف مصطنعة، وهذه ربّما تكون الفاتحةُ التي جعلته الخطيبَ العريقَ والفريدَ من نوعه، جنبا إلى جنبِ إحرازه منصب “الأوائل” في أمورٍ كثيرة، إضافة إلى تميّزه في الخطابةِ المنبريّة وأطوار التعزية، ليكون الخطيبَ البارز، طولا وعرضا، في مآتم البحرين وخارجها.

كان أوّلَ رجل دين يستخرجُ رخصة قيادة السّيارة، وقبلها كان أوّل خطيب يقود الدّراجة النّارية، ويذهب بها إلى المآتم ليصعد على المنابر. هو الخطيب المعاصر غير المتكرّر الذي جمعَ إلى دواوين الشّعر كتبا في العقيدة والتاريخ وقضايا الاجتماع والأسرة، وبأعدادٍ ربّما يكون المخطوط منها أكثر من المنشور، وفي موضوعاتٍ يجد كثيرون الحرجَ في طرْقها والبحث فيها.

في حصاد “الأوائل” أيضا، فإن الرّاحل هو أول خطيب قرأ مجلسا حسينيّا في مجلسِ أحد أبناء عائلة آل خليفة. هو الخطيبُ صاحب الوفرة “المتحرّكة” في الأبناء والبنات، ممّن برعوا في كلّ العلوم والمعارف والمهارات. من هذه العائلة توزّعَ الجميعُ وكلٌّ في مجاله: هناك منْ ينشد السّلامَ عبر الفن، وآخرون/أخريات يمارسون الحريةَ من خلال الكتابة والصّحافة، والبعضُ برعَ في نشْر التآلف والتزاور عبر العلاقات العامة، وآخرون منخرطون في أنشطة العدالةوالمواطنة، وهناك منْ اختار الصّرحَ الجامعي ليباشر دوره في التّعليم العالي والأكاديمي.

أمران كانا حاسمين في تشكيل الخطيب العدناني: موسوعيّة المعرفة، وانفتاح التّجارب والفنون. هيأ ذلك لصاحب “عرائس الجنان” أن يكون منفتحَ الفكر، وغير مُولَع بالمظاهر والتّكلُّف، وأن يكونَ مشغولا بالرّأي وحرّيّته، له ولغيره. حصاده المتراكم، من الهند والبحرين؛ أتاحَ للرّاحل أن يناورَ على البروتوكلات الموروثة، وأن يُنتج الفكرَ والسّلوكَ الخاصّين، من غير انحباسٍ داخل الممارسات الشّعبويّة. لم يكن يعنيه التّصنيفُ النهائي، والآراءُ الغالبة، ووجدَ نفسَه في الانفتاح على النّاس بكلّ أصنافهم وأعراقهم وثقافاتهم، والاستفادةِ من مجاورة الواقع المُعاش دون الارتهان إليه، أمّا فعْله العميقُ فكان في الإقبالِ على كلِّ الأشياء التي يمكن أن تعطي معرفةً أو حكمة أو عبرة أو شيئا من الفرح وانفتاح القلوب.

هو اليتيمُ الذي تلقّفته نساء الحيّ تبرّكا بإرضاع “ولد رسول الله“.. والمبتعَثُ لدرْسِ الفقه والشّريعة في الهند، وليس النّجف أو قم.. والعائدُ منها بفنّ التّصوير ومهارات التّجانُس مع الطّبائع والأجناس.. الشّابُ المندفع الذي عادَ إلى بلده متمنّعا على منصبِ القضاء الأعلى، واختارَ مزاولة الخطابة الحسينيّة، وإنما على طريقته في مخاطبةِ المشاعر الطّريّة.. هو الشغوفُ بالحياةِ والزّوجاتِ والأبناء.. والمعمّمُ الاستثنائيّ في الترفّعِ عن السّياسة، وليس الترفّع عن الإحساسِ بمظلوميّةِ النّاس.. وهو الخطيبُ الذي يجلس على المنابر، ويطيرُ في الهواء بالدّراجات، ويأخذ من كلّ الزّمان والمكان ما يُؤنِس ويُمتع العقلَ والرّوح، ثم يعود إلى الإنسانِ الحاضر والمُقْبِل.. ليحلّ على القلوبِ بلا قوالب، وعلى العقول بلا حواجز.