مقال: صادق الستري

كاتب بحريني|

 

بتاريخ ٢٦ فبراير ٢٠١٤م، أصدر الديوان الملكي في البحرين تصريحا يبدو من منظار اليوم؛ أكثر من لافت،  وقد يكون مناسبا إعادة استذكاره وقراءته من جديد. جاء في التصريح النص التالي بحسب ما نشرته وكالة أنباء البحرين الرسميّة (بنا):

أوضح تصريح صدر عن الديوان الملكي استمرارية الاجتماعات مع الأطراف المعنية باستكمال حوار التوافق الوطني في شقه السياسي من أجل التوصل إلى جدول أعمال توافقي للدخول في مرحلة جديدة. وانطلاقا من الحرص على إيجاد أرضية إيجابية تسهم في إنجاح استكمال الحوار، فإنه من الواجب على الجميع العمل على إعلان الرفض صراحة للعنف ونبذ خطابات الكراهية والالتزام بالدعوة لتبني ثقافة التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر والتفاهم حول المصلحة الوطنية العليا، بما يحقق طموح جميع المواطنين“.

يتضمن هذا التصريح “روحا إيجابية” لافتة. هناك آراء أخرى تنتقد أداء الديوان الملكي في مسيرة الحوار واللقاءات بين الحكومة والمعارضة، على الأقل منذ العام ٢٠١١م. قد تكون هذه الآراء، من جانب معين، ناظرة إلى ظروف وملابسات ووقائع محددة، إلا أن التصريح المذكور يصلح للتداول مرة أخرى، بعد مرور ست سنوات على صدوره.

بالنظر إلى عموم التعقيدات الراهنة، من الجيد أن تقوم أطراف الأزمة في البحرين بإعادة إنتاج تصريح الديوان الملكي، بصحبة سلةٍ أخرى من المهام والإنتاجات الأخرى. على رأس هذه المهام، أن تلتقط أطراف الأزمة هذه الذكرى، ليشارك الجميع اليوم في إنعاش الحوار والتوافق في البحرين. ولعل ما ورد في التصريح الملكي يصلح أن يكوّن، بشكل ما، أسسا مشتركة بين المعارضة والحكومة لإنجاز هذا الإنعاش، وتحريك المياه الراكدة.

في كل الأحوال، بالعودة إلى التصريح، فإنّ الديوان الملكي يقدّم آنذاك رؤيته لإنجاح الحوار من خلال “إيجاد أرضية إيجابية” أولا. وهذا سليم وفق منطق أي حوار وطني. لا يمكن التقدّم إلى الأمام من غير أرضية مسبقة، وتمثل جانبا من جوانب ما يمكن تسميته بمبادئ “حُسن الظن المتبادل“. وهي مبادئ تسبق عملية “بناء الثقة” في رأيي، والتي تتطلب جهودا أخرى، وبينها اللقاء المباشر أو عبر وسطاء، وكسْر جدران عديدة عازلة بين طرفي الأزمة، وهذه أمور قد يكون لها وقتها المناسب فيما بعد.

السؤال: كيف يمكن “إيجاد” هذه “الأرضية” بحسب تعبير الديوان الملكي، أو “مبادئ حُسن الظن” بحسب تعبير كاتب المقال؟

يقدّم الديوان رؤيته في ذلك عبر العناوينَ التالية:

– إعلان الرفض صراحة للعنف

– نبذ خطابات الكراهية

– الالتزام بالدعوة لتبني ثقافة التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر

– التفاهم حول المصلحة الوطنية العليا بما يحقق طموح جميع المواطنين

السؤال الموجّه إلى الجميع اليوم، من المعارضة والحكومة: هل هناك خلاف على هذه المبادئ؟ لا شك أن هناك فرقا بين الخطاب والممارسة، بين القول والفعل.. ولكن الجميع يُفصح بأهمية هذه المبادئ، وأن السنوات الماضية أثبتت أن عدم الالتزام بها كان سببا في خروج الأزمة عن نطاق الحل أو السيطرة. من غير المناسب أن يستمر الاتهام المتبادل -إلى الأبد- بالإخلال بهذه المبادئ، فهذا اشتباك لن ينتهي، كما أن رمي الكرة في ملعب الآخرين، أو في ملاعب مجهولة؛ هو شكل من أشكال الهروب إلى الأمام، بل هو نوع من أنواع “الإهمال الوطني“.

إنّ الشجاعة المنتظرة اليوم هو الإقدام على الفعل، وصناعة الممارسة، وقبل ذلك.. فإن الحكومة والمعارضة، على حدّ سواء، مدعوان إلى العودة إلى خطابهما الذي ساد في تلك الفترة، حينما كانا يتحدثان عن “لغة الحوار” و”التوافق الوطني” و”تقريب وجهات النظر”… وغير ذلك. العمل هو المطلوب، ولكن القول، وإعلان الكلام بلا توقف؛ هو المفتاح الذي يعيد فتح باب الحوار واللقاء والتوافق المغلق. ببساطة، فإن الرسالة الموجهة إلى الجميع هي: قولوا للناس ما كنتم تقولونه عن الحوار والتعايش، وتشاركوا في هذا القول، وتنافسوا في الإعلان عنه، وبعدها ستكون ساحة العمل مشدودة إليكم، ولا حاجة للتعجيل عليها أو جرّها جرّا.. ستأتي طواعية وفي الوقت المناسب. فقط.. أفصحوا عن الكلمة الطيبة وأعلنوا عنها. هل هناك معنى آخر للعمل السلمي غير ذلك؟

هذه رسالة في ذكرى التصريح الشهير الذي قدم رؤية الديوان الملكي للحل في البلاد، ولا أدري كيف سيتم استقبالها وقراءتها، ولكني أتمنى أن تجد صدى طيبا أو وقتا للتأمل، أتمنى ذلك من كل قلبي.