أُقيمت الأربعاء، ٢٩ يناير ٢٠٢٠م ندوة في مبنى الجامعة الأميركيّة- بيروت بعنوان “الإبادة الجماعية في ظل حرية التعبير وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي“، شدّد خلالها ممثل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أولريك هالستين على ضرورة أن تمنع الحكومات “بعض أشكال خطاب الكراهية بطريقة لا تمسّ بحقوق الإنسان الأخرى، وخصوصاً الحريات العامة“.

ودعا هالستين إلى “اعتماد طرق أخرى غير الرقابة والحظر القانوني، منها تزويد الأحزاب السياسية لممثليها بقواعد توجيهية في شأن أخلاقيات مخاطبة الجمهور”.

هالستين: خطاب الكراهية يهدد الاستقرار الاجتماعي

وتحدث نائب الممثل الإقليمي لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أولريك هالستين، عن “إطار عمل حقوق الإنسان لمواجهة خطاب الكراهية“، وأوضح أن خطر الإبادة لا يزال قائما اليوم كما كان قبل 70 عاما عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة شرعة تجريم الإبادة، مستدلاً على ذلك بما تعرض له الروهينغا في ميانمار والإيزيديون في العراق.

وذكر هالستين بأن “الأمم المتحدة دقت ناقوس الخطر العام الفائت، إذ لاحظت زيادة في قوة خطاب الكراهية وانتشاره عالمياً، وأنه أصبح سائدا في مختلف الأنظمة السياسية، ويهدد القيم الديموقراطية والاستقرار الاجتماعي والسلام“.

واعتبر أن “هذه الزيادة في خطاب الكراهية مرتبطة بتوافر فرص استخدام وسائل تواصل جديدة، تجعل الظاهرة أكثر تشعبا وتعقيدا“، مشددا على أن التشريعات المطلوبة اليوم تتطلب جهدا ليس فقط على مستوى الحكومات، بل كذلك من الشركات الخاصة، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، مؤكداً في الوقت نفسه أن “العمل لمحاربة خطاب الكراهية يجب أن يحصل بطريقة لا تمس بحرية التعبير والاجتماع“.

ولفت هالستين إلى أن “على الحكومات واجب منْع بعض أشكال خطاب الكراهية، ومنها الدعوة إلى الكراهية القومية والعرقية والدينية ونشْر أفكار قائمة على التفوق العرقي أو الكراهية العنصرية، وفي الوقت نفسه أن تضمن تطابق أي منع من هذا النوع، مع القيود المقبولة لحرية التعبير“. 

وأوصى باعتماد “التربية على التعددية والتنوع، وتزويد الأحزاب السياسية ممثليها بقواعد توجيهية في شأن أخلاقيات مخاطبة الجمهور”، داعياً الى “تعزيز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل“.

ياسين: خطاب الكراهية يعمق الانقسامات والتوترات

من جهته، رأى مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين، أن “ثمة حاجة إلى المزيد من الأبحاث في شأن عمليات الإبادة، سعيا إلى الإضاءة عليها وزيادة درجة الوعي في شأنها، تجنبا لتكرارها”، ملاحظا أن “تكرار عمليات الإبادة يظهر أن العالم لم يتعلم من التجارب السابقة في هذا المجال“.

ولفت ياسين إلى أن “الأخبار الملفقة والمزورة والمبالغ فيها والبروباغندا تعمل على بناء ذاكرة مغلوطة للتأثير على المشاعر والسلوكيات“، بحسب تعبيره.

وإذ لفت الى أن خطاب الكراهية يعمق الانقسامات والتوترات؛ قال ياسين: “نحن ضد أي رقابة، لأن حرية التعبير هي اساس العمل الأكاديمي ونظامنا القيمي، ولكن المسألة لا تخضع لمنطق أبيض أو أسود، بل ثمة مساحات رمادية في هذا الشأن ينبغي توضيحها“.

ابي شديد: المحاكمات الدولية فرصة لإحقاق الحق والعدالة

وفي جلسة عن قدرة النظام الدولي على ضبط خطاب الكراهية والتحريض على الإبادة، تحدثت مديرة المركز الدولي لعلوم الانسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (أونيسكو) الدكتورة دارينا صليبا ابي شديد عن “استخدام خطاب الكراهية للتحريض على الإبادة، من زاوية القانون الجنائي الدولي“.

وشرحت تعريف خطاب الكراهية وآثاره المباشرة وغير المباشرة، معرفة بالتحريض على الإبادة وفق ما نصت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة عام ١٩٤٨، عارضة للعناصر التي يتألف منها التحريض على الإبادة، والعقوبات التي يستتبعها.

ورأت أن المحاكمات الدولية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة لدول ورؤساء دول، عن جرائم إبادة، تعتبر محطة تاريخية في القانون الدولي، إذ أتاحت على الأقل إحقاق الحق والعدالة، وهذا تقدم كبير بالنسبة إلى ما كان قائما حتى الآن.

نشطاء مختصون: شيوع خطابات الكراهية

وفي المحور المتعلق بالعبر المستخلصة من تجارب اليمن ولبنان والعراق وأرمينيا في شأن حرية التعبير وخطاب الكراهية، أقيمت حلقة نقاشية، تحدثت فيها الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” آية المجذوب، وأليكسي توما من معهد عصام فارس، والناشطة والصحافية سلمى الحاج، والناشطة الحقوقية سامية الأغبري من منظمة مراسلون بلا حدود،  وأكد الجميع على شيوع خطابات الكراهية، ودعوا إلى إصلاحات في القوانين تجرم هذه الخطابات، ولكن دون الإخلال بحرية التعبير.

الهندي: فيسبوك أصبح منصة أساسية لحرية التعبير

وفي جلسة عن مدى الحاجة إلى مقاربة جديدة للتوفيق بين حرية التعبير وضرورة حظر التحريض على الكراهية والإبادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفتت المختصة في السياسات العامة وحقوق الإنسان في “فيسبوك” شاهد الهندي الى أن فيسبوك اصبح منصة أساسية لحرية التعبير، كاشفة أن “شركة فيسبوك تمكنت بين تموز وأيلول ٢٠١٩ من حذف ٨٠ في المئة من المضمون الذي يصنف ضمن خطاب الكراهية، مستعينة في ذلك بتقنيات الذكاء الاصطناعي“.

وأوضحت أن الذكاء الاصطناعي أساسي في حماية المستخدمين، فيما تعمل فيسبوك كذلك على تحسين قنوات التبليغ عن الانتهاكات.

نجم: القوانين المُقَرّة عربياً هي لحماية أعضاء الدولة وليس الشعب

وأوضح مدير المناصرة في جمعية “تبادل الإعلام الاجتماعي” (SMEX) محمد نجم أن المساحة المدنية على الانترنت تفتقر إلى التنظيم، وتشهد تغيرات يوما بعد يوم، موضحاً أنه “بعد العام ٢٠١١ أقرت في المنطقة العربية عشرات القوانين ذات الصلة بهذه المساحة، ولكن كلها في روحيتها تحمي الدولة وأعضاءها“.