بقلم: جمال صالح |

على الأرجح، هناك ما يُشبه القلق، القريب من الإحباط، يسود أوساط النّاس في البحرين هذه الأيام. الأسبابُ كثيرة، ولكن السّبب المباشر يعود إلى ملف السّجناء السياسيين، بعد جمود “الأخبار السّارة” في هذا الملف الذي يشغل كلّ بيوت أهل البحرين.

منذ الإفراجات الأخيرة خلال شهر ديسمبر الجاري؛ تعدّدت الآراء والمشاعر بين الناس والناشطين. الفرح باستقبال الأبناء والبنات كان واضحا لدى الجميع، وكذلك الأمل في اتّساع الموجة وأن تصل إلى كلّ السجناء، دون استثناء. ولكن ثمة “انكسارات” في المشاعر بدأت مع تعطّل الإفراجات، وعدم شمول القوائم للحالات الضرورية، وخاصة صغار السّن والمرضى من السجناء، ممن يُفترض أن يكونوا أولوية لدى صانعي القرار، بما في ذلك ضمن العقوبات البديلة. أمّا الأكثر إزعاجا لدى الناس، فكان ما حصل في اتساع قائمة العفو الأخيرة لتشمل أعدادا كبيرة من السجناء غير السياسيين، على حساب السجناء المتهمين في قضايا سياسيّة، الذين كانت نسبتهم ضئيلة للغاية في هذه القائمة.

هذه الأمور فرضت على الناشطين الاعتقادَ بأن حكومة البحرين لا تزال تتردّد في معالجة ملف السجناء، وأن الخطوات الأخيرة تبتعد عن الوصول إلى “أصل الأزمة”، في حين أن الشغل الشاغل في الإفراجات كان فقط محاولة الحكومة التخفيف من وطأة هذا الملف، في ظل الضغوط المحلية والخارجية.

من الواضح أنّ هذه الأجواء أدّت إلى انتكاسة في مشاعر الناس، في الوقت الذي ينتظرون فيه أن يكون الإفراج عن السجناء مقدّمة لخطوات أخرى، أكثر عمقا وأوسع تحركا في اتجاه معالجة بقية الأزمات المترتبة على الأزمة السياسيّة في البلاد. وهذه إعاقة مؤسفة من جانب الحكومة، ومن الممكن أن تعزّز المواقف السّلبيّة التي تحول دون التمهيد لترميم الثقة، وأن تؤدي لإهدار التفاعل مع أية دعوات أخرى للحوار والمصالحة، على غرار الدعوة التي أطلقتها كلٌّ من جمعتي المنبر التقدمي والتجمع القومي مؤخرا. واستمرار هذه الحال، يعني الإبقاء على معاناة الناس، والمراوحة في سُبل الحل، وبالتالي استمرار أسباب التوتر وعدم الاستقرار.

سيكون من اللازم، في أوقات كثيرة، أن يدفع المجتمعُ قيادات الرأي العام، والمؤثرين على الموقف الرسمي، لكي يقوموا بالدور المؤثر في “تصويب” الأداء الحكومي في ملف السجناء، وفي ملف الأزمة عموما. هذه النخبة تتحمل مسؤولية تاريخية في أداء الدور الوسطي، والتحرّك بين طرفي الأزمة في البحرين. وعلى رأس الأجندة المناطة بهذه النخبة، هو أن تجتهد في إقناع الحكومة بأنّ حلحلة الملف الأمني، ومعالجة أزمة السجناء السياسيين وتبعاتها، سيكون لها مردود جوهري على سلامة الوطن واستقرار المجتمع، وأن العناية بهذا الأمر، بشكل جاد وشفّاف واستراتيجي، هو الخيار الأفضل و”الآمن” للعودة إلى الدولة التي يسودها الأمنُ والعدل، لتكون عنوانا للمواطنة المتساوية لكل أطياف المجتمع. بدون ذلك، فإن الخسارة لن تكون على طرف دون آخر، وسيكون آثار هذه الخسارة مثل الجحيم الذي لا يستثني أحدا. وهذا ما يجب أن تعمل الحكومة والمعارضة على منعه، وعدم الوصول إليه، وكلا الطرفين يعلمان أن الطريق إلى ذلك هو الحوار، والذّهاب إلى مصالحة وطنيّة تُنجي البلاد والعباد من كلّ الشّرور.