وفد من المواكب الحسينيّة زارَ في العام ٢٠١٧م الكنائس في العاصمة المنامة، بمناسبة الكريسماس (أرشيف)

بقلم: جمال صالح|

 

تتميّز البحرين بأنّها جغرافيا جامعة للأديان والمذاهب، وهذه ميزةٌ رسّخها التكوينُ الأصيل لشعب البحرين، الذي يتميّز بالتعايش مع الآخرين، وروح المحبة والوئام التي تطبع نظامُ حياة المواطنين، وأنماط العلاقات الاجتماعيّة التي تجمع الناسَ مع الأغيار والوافدين، من مختلف الأعراق والديانات. ليس غريبا أن يحتفي أهالي بني جمرة، مثلا، بعمّال آسيويين تكريما لجُهدهم في أعمال النظافة بالبلدة، ويشاركونهم الطعامَ واللقاءات الودية. ويعيش بين المواطنين، في مختلف القرى، مهاجرون من دول مختلفة، يحضرون مجالسهم، ويتبادلون معهم الزيارات والخدمات الإنسانيّة، وبعض المهاجرين يجد نفسه بين أهله وهو يشارك الأهالي مناسباتهم الاجتماعية والدينية، رغم اختلاف الدين واللّون. هي لوحة أصيلة في هذه البلاد التي يجدها المهاجرون الخيارَ الأفضل من بين دول العالم.

على هذا النحو، يحتفل المسيحيون وأصحابُ الديانات الأخرى بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، ويشاركهم البحرينيون التهاني، وتقديم رسائل المحبة والسّلام. هذه الأجواء تسود البلاد في أعياد الكريسماس، وعلى نحو لافت، في سلوكٍ اجتماعي يهدف إلى إثبات المعنى الذي كتبه ذات مرّة البابا فرنسيس من أن “السلام هو ثمرة مشروع سياسيّ كبير، يقوم على المسؤولية المتبادلة، والترابط بين البشر“، وهو موقفٌ يقوم على تحقيق الوفاق والوئام، والحثّ على احترام قيم المواطنة وحقوق الإنسان، للارتقاء إلى مجتمع إنساني سليم

هذا الموقفُ، من جهةٍ أخرى، من الممكن أن يكون مدعاة للتفكير في حال البحرين، وما فيها من حاجاتٍ ملحّة تعبّر عنها هذه الحالُ اليوم. من المؤسف أن تكون البحرين، رغم تاريخها المتآلفِ مع الأديان، تعاني اليوم من سياساتِ وإجراءات التمييز المذهبي، ومن الغريب أن يشعرَ أهلُها بالغبن ونقصان المواطنة بسبب انتمائهم لمذهبٍ معين.

وبالنظر إلى ما جرى للمواطنين الشّيعة منذ العام ٢٠١١م، وما حلّ بهم من مآسٍ صعبة؛ فإنه يمكن القول أنه لولا أصالة التسامح الديني الذي يتجذر في نفوس المواطنين؛ لما كان مستبعدا أن ينزلق الجميعُ في منحدر خطير بسبب خطابات الكراهية، والمغالبات العنصرية، التي سرّبها بعض المتطرفين، وهي خطاباتٌ وجدت في سياسةِ التمييز بيئةً مواتية لها للانتشار وتهديد السلم الأهلي. لقد تكاتفَ المواطنون لمنْع هذا الانزلاق، وكان للقيادات الدينيّة الفضلُ الكبير في الحفاظ على هذا السلم، وتوعية المواطنين بخطورة الانجرار وراء ردات الفعل المنفلتة تحت تأثير المعاناة من التمييز والانتقاص من الحقوق. لقد آن الأوان لكي يُكافأ الناسُ وقياداتهم الدّينيّة نظير هذه الوقفة التاريخيّة العظيمة. ولا يكون ذلك إلا بإعادة الأمور إلى نصابها الصّحيح، وإقامة ميزان العدالة والمساواة، والتعاون الجماعي من أجل إخراج الوطن والمواطنين من هذه المحن والأحزان، تحت ظل دولةٍ يشعرون فيها بأفراح مستدامة، ومواطنة متساوية.