ألغت حكومة البحرين اليوم الاثنين، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٩م ندوةً حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، كان من المفترض أن ينظّمها التجمّع القومي الديمقراطي. يجيء هذا الإجراء المتكرّر، في سياق ما يصفه ناشطون بـ”التدهور المتزايد لمؤسسات المجتمع المدني في البلاد“، حيث عمدت الحكومة، على مدى الفترات السابقة، إلى إلغاء ندواتٍ وفعاليات دعت إليها جمعيات سياسيّة ومؤسسات أهلية.

“خيبة أمل عميقة”

ويعبّر ناشطون في البلاد عن “خيبة أملة عميقة” إزاء الواقع الذي آلَ إليه النشاط الأهلي في البلاد، بما في ذلك إغلاق الجمعيات السياسيّة المعارضة، وتقييد الحراك المدني ومنْع الأندية من استضافة الندوات والبرامج الثقافيّة، ويرى ناشط في إحدى الجمعيّات الأهليّة بأنّ “المجتمع المدني في البحرين بات في أسوأ حالاته، وتمّ تقويض النشاط العام إلى درجة الاغتيال“. ويضيف بأن هذا الواقع “المؤسف” أدى إلى أن “تخسر البلاد سمعتها المعروفة على مستوى المنطقة، بعد أن كان المجتمع المدني البحريني مضربا للمثل في الدول المجاورة”.

انتكاسة.. وخسارة للحكومة أولا

ويقول ناشط في إحدى الجمعيّات الأهليّة في البحرين بأن “الانتكاسة التي يعاني منها المجتمع الأهلي، تمثل خسارة للحكومة أولا، رغم الآثار السلبية التي يعاني منها المجتمع أيضا“، ويشير هذا الناشط إلى أنّ “الحكومة لم يعد لها اليوم أن تتباهى بين دول الخليج بما كانت تتمتع به البلاد من حيويةٍ ونشاط مدني فاعل، وبمجتمعها المدني الذي أحرز إنجازات محليّة وإقليميّة ودولية“، وأوضح بأن طبيعة “الإجراءات التي تمارسها الجهات الرسميّة تشبه الاستباحة للمجتمع المدني المحلي، بألوانه المختلفة، واستبداله بجمعيات حكومية، تمثل وجهة النظر الرسمية“.

وانتقدت ناشطة في جمعيّة نسائية أهلية ما وصفته بـ”التعامل غير المبرّر من الحكومة تجاه الجمعيّات الأهلية“، وقالت بأن الحكومة تنظر إلى هذه الجمعيات على أنها “خصوم لها”، ما يجعل الحكومة تعمل على “محاصرة هذه الجمعيات والناشطين فيها، وتقييد نشاطهم التطوعي“.

خبير أمريكي: مجتمع مدني “حكومي بديل”

وبحسب خبير أمريكي كان يزور البحرين منذ مطلع التسعينات، فإنّ “سياسة الحكومة تقوم على خلق مجتمع بديل mushrooming  gongos لا يمثل الشريحة العامة للناس، ويحتكر العناوين البراقة حول حقوق الإنسان والتسامح والتعددية“. ويوضح هذا الخبير بأن هذا النوع الجديد من المجتمع المدني “المزيّف“، وفي الفترة التي تلت العام ٢٠١١م “أخذ يتبنى بالنيابة عن الحكومة قيادة حملات التخوين والتشويه وتخريب السمعة، بغرض إسكات الأصوات المستقلة، التي تعبر عن الناس وهمومهم“.

خسارة المجتمع.. والدولة

من جانب آخر، يؤكد خبير في شؤون المجتمع الأهلي بالبحرين، بأن الحكومة “خسرت كثيرا بسبب إغلاق الجمعيات السياسيّة المعارضة، ومحاصرة أنشطة المنظمات الأهلية“، وأوضح بأن هذا “الفضاء المدني والأهلي بإمكانه أن يحمل أعباء كثيرة عن كاهل الدولة، وخاصة في العمل التثقيفي والتنموي، والتطوع في الخدمة العامة، وترشيد الوعي العام، وحماية مصالح المجتمع“، إضافة إلى أنّ منظمات المجتمع الأهلي تتولى “مسؤولية مؤثرة في القيام بدور صلة الوصل بين المواطن والدولة، حيث تكشف للدولة ما يجري في المجتمع، وتقدم حلولا مقترحة للتعقيدات والأزمات التي يعاني منها الناس“.

إضافة إلى ذلك، وبحسب التجربة التي قدمتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية في البحرين، فقد أسهم هذا الفضاء المدني في “حفظ السّلم الأهلي، ومنع الانجرار إلى الوسائل غير المدنية في الاعتراض“، وهو ما يدعو مراقبين إلى التعبير عن “القلق من تضخم القيود المفروضة على المجتمع المدني، وما يمكن أن يخلقه ذلك من نمو مشاعر الضيق والسخط العام، ما يدفع البعض إلى البحث عن وسائل أخرى من العمل السري، ما يكرّس واقع التشرذم والاضطراب داخل المجتمع، وفي سوء العلاقة مع الحكومة“، وهو ما يجب أن يضعه المسؤولون بعين الاعتبار، “وخصوصا في هذه الأوقات التي لم تعد تحتمل التمادي في إنكار مخاطر تداعيات الأزمة في البلاد، بعد بلوغ الأمور إلى مراحل معقدة من انهيار الثقة وانسداد أبواب الحوار والمصالحة“، كما يقول أحد الناشطين.