بقلم: علي باقر

هل يمكن أن نُنجز في البحرين مصالحة وطنيّة؟

الذين يعرفون، بالتفصيل، ما حصلَ في البحرين، ربّما يساورهم مرضُ الشّك. لقد دخلت البلادُ في إعصار عنيف، حطّم جدرانَ الثقة، ونزعَ من قلوب كثيرين التفاؤلَ بعودة الأفراح إلى هذه الرّبوع! ولكن، أليس هذا إفراط في اليأس؟ ألم تُنجز جنوب أفريقيا، مثلا، واحدة من “معاجز” المصالحات الوطنيّة، وقد كانت تغرق في دوّامة من العنف الدّاخلي، وثقافة عريضة من التمييز العنصري؟!

في البحرين.. الإفراجُ عن السّجناء، دون شك، قد يزيح بعضَ الشّكوك والآلام، ولكن السّؤال الذي “يوسوس” في صدور النّاس: هل كانت هذه المرّة الأولى التي يخرج فيها سجناء من السجون، ثم انتهت الحكاية؟ وكم مرّة عادوا إليها، وبأعداد أكبر، وبمعاناة لا تُوصف؟!

لستُ من الذين يقلقون من هذه الأسئلة. وفي الوقت نفسه أبقى مؤمنا جدّا بأن أبوابَ الفرج والفرح من الممكن أن تُشْرع، وعلى أعلى مستوى. تجاربُ الأمم تقول إنّ كلّ شيء ممكن، وأن الناس والحكومات لا خيار لهم إلا الإيمان بهذا الإمكان. هذا الإيمان هو رفيق الإرادة. لا تستطيع الحكومة والمعارضة أن تعبّرا عن إيمان بالفرج عن النّاس، من غير إرادة تدفع بهذا الاتجاه. والإرادة، كما يقولون، هي “تصميمٌ على الفعل”. المفتاحُ، إذن، في التّصميم، وحين يكون.. فإنّ الأشياء الصّعبة قابلة للتحقّق.

فماذا على الحكومة والمعارضة أن يؤمنا؟

كلاهما عليهما أن يؤمنا أنّ الانتصار والهزيمة هي “مسألة لفظية”. هي جزءٌ من المقولات التي يصنعها العقل، وتُضفي عليها العاطفة اللباسَ المُختار. في الأزمات المعقّدة، على الحكومة أن تؤمنَ بأن الانتصار على الناس، وبينهم المعارضة؛ هو هزيمة مضاعفة. وعلى المعارضة أن تؤمنَ بأن شعورها بالهزيمة هو انكبابٌ غير معقول على العَدم. كلاهما يمكن أن ينتصر معا، بالتوازي، وليس بالضّربة القاضية، ولا باختطاف كأس البطولة.

الانتصار المتوازي هو أن تهزمَ الحكومة عوائقَ تُثقلها طويلا: عائق الإنفراد في الإدارة. عائق عدم الثقة بالناس. عائق الغرق في موروث المحن. عائق دولة دون الدولة. تنتصر الحكومة حين تهزم كل ذلك. المعارضة، بدورها، تصنع الانتصارَ حين تهزم هواجسَ تلاحقُها طويلا: هاجس المغامرة. هاجس المخاطرة. هاجس التفاوض. هاجس المعادلة الوطنية.

كيف نعينُ أنفسنا، حكومة ومعارضة، على هذه المهمّة؟ بالإيمان، المصحوبِ بالإرادة، المتبوع بالفعل.

أنهت الحكومة، على الأغلب، خزّانها من القمع والسّيطرة. واستنزفت المعارضة على الأرض، فيما يبدو، أداوتها في الاحتجاج والاعتراض. وآن، لكلاهما، أن يقرّا بذلك، وأن ينتصرا على “الواقع العنيد”.

هل الحكومة والمعارضة بحاجةٍ إلى معين في ذلك؟ الناسُ خيرُ منْ يعين هنا. على الناس أن يُوصلا رسالةً واضحة للجميع: لسنا بخير، ولكن الوضعَ سيكون أسوأ حين نقبل بأنصاف الحلول، ونستغرق الوقت في فرح مؤقت. لسنا بخير، ولكن الشّد والجذب لن يجعلنا في أفضل حال. لسنا بخير، ولكننا قادرون على أن نتحمّل بعض الوقت أيضا، لانتظار حلّ يرفع عنّا هذه الأثقال والأغلال. لسنا بخير، ولكن فينا من الإيمان والإرادة ما يمكن أن نمنح بعضَه الحكومة والمعارضة معا، لكي يفعلا المطلوب. لسنا بخير، إذا لم تأخذ الحكومة والمعارضة هذه الهديّة منا ويُنجزا معا حوارا ومصالحة تُرضينا، وتُفرحنا طويلا.